أغرب ما في السيد المالكي أن الدنيا كلها تهتف بأخطائه وهو يمارس تلك الأخطاء بعنفوان وفخر ، وليس ثمة تفسير لذلك سوى أن الرجل تستحوذ على عقله غمامة داكنة من الشبهات التي فرضها منصب رئاسة الوزراء ، وكل المؤشرات تدل على أنه ليس بصدد التراجع عن مواقفه الكارثية بحق نفسه وبحق شعبه ، لأن الأمور بلغت به حدا ليس فيه للعقل دور في اتخاذ القرار ، وإنما كامل التحكم أصبح فيه بيد ( مظاهر الأبهة والمنصب وامتيازاته ولذة الأموال التي يسبح في بحارها ) ، وما وصل إليه المالكي هو سنة كونية يتعرض لها الجميع ، لكن الله ينقذ من يشاء ويترك آخرين ( لتوجيه الشيطان ) وذلك مصداق الآية الشريفة ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) . وكلنا رأينا في هذه الحياة أناس وبسبب جشعهم وابتعادهم عن الله لم يعد عقله هو الموجه ، بل الشيطان يتولى الأمر ، فكم من ثري ثراء فاحشا ، لا تستطيع أن تسنقذ منه درهما واحدا في سبيل الله ، فيما تجد فقيرا يجود دائما ببعض ما يمتلك من رزق .
المالكي وهو يوقع عقدا استثماريا في العاشر من تشرين الأول 2013، مع شركة سويسرية لإنشاء مصفى ميسان النفطي، بكلفة إجمالية قدرها ستة مليارات دولار، أفادت معلومات مؤكدة أن الشركة ليس لديها أي كيان في سويسرا ولم تقم بأي نشاط في مجال النفط أو تصفيته وهي غير مؤهلة لتنفيذ عقد بتلك القيمة.
وقد لا تكون النقطة المهمة في الموضوع هو توقيع العقد مع شركة وهمية فقد سبق للمالكي وأركان حزبه وحكومته بفعل ذلك كما حصل مع صفقة الأسلحة مع الشركات الألمانية والكندية وغيرها ، إلا أن النقطة التي تثير الكثير من الاستغراب هو أن المالكي وبعد توقيع العقد مع الشركة السويسرية الوهمية يسأل وكيلها وهو مقرب جدا من نائبه حسين الشهرستاني عن ( اسم الشركة ) . فهل يعقل أن عقدا يبرم مع شركة أجنبية وبقيمة مبلغ 6مليارات دولار دون معرفة اسمها ، وإذا كنا لا نعرف الاسم فهل يعني ذلك أننا دققنا في تاريخ الشركة ونشاطاتها وكفاءتها حتى نظمن حق الشعب في الحفاظ على المال العام ، أم أن العقد يوكل إلى سماسرة محترفين يقومون بكل الإجراءات ، وبعد أن يطمأن دولة الرئيس على ضمان الحصة يطلب منه فقط ( أن يوقع ) ، أليست تلك خيانة كبرى بحق الشعب وخاصة الفقراء منهم والمعدمين الذين ما زال الملايين منهم يسكنون في عشوائيات وخرائب يحلمون بوطن يسد رمقهم ويضمن لهم حياة كريمة كشعوب الله الواسعة ، وكيف يتحقق مثل هذا الحلم إذا كان ( الأمين على أموالهم ) ورئيس السلطة التنفيذية الذي تقع على عاتقه الحفاظ على أموالهم يكون أول من يسطو على تلك الأموال ، ويفتح الأبواب مشرعة لضعاف النفوس وعديمي الوجدان من التجاوز على أموال الشعب .
قد لا يعقل أن السيد المالكي لا يعرف اسم الشركة وهو يوقع العقد معها ، فلابد وهو يناقش مستشاريه الصفقة أن يسألهم عن الشركة واسمها ومن ورائها ، في هذه الحالة لابد وأن ندرك إذن أن السيد المالكي لديه ( غاية ) من السؤال عن اسم الشركة من وكيلها في العراق أمام الإعلام بغرض الإيهام ، وهنا يعني أن السيد المالكي يريد أن يثبت ( معنى ما ) في أذهان الشعب من خلال ذلك السؤال ، وهذا تحايل على عقلية أبناء شعبه ، وهي جريمة ( سوداء مقيتة ) أن يستخف رئيس حكومة بعقول الأمة
مقالات اخرى للكاتب