منذُ سنوات العمر الفتية وأنا أقف هنا كل صباح أرسل نظرات عيناي المرهقتان من طول ألأنتظار. خرجتَ في غفلةٍ من الزمن بعد أن قبلتني آلاف المرات عند ناصية الباب الحزين. قذفتَ في نبضات قلبي ملايين الكلمات الجميلة . أخبرتني أنك َ ستسافر الى أقصى نقطةٍ في بقاع الكون كي تجلب لي أزهاراً وذهباً وماساً من مرتفعات الجبال المليئة بالذهب. تضرعتُ إليكَ آلاف المرات أن تبقى الى جانبي في طفولتي وصباي وشبابي وكهولتي كي أنعم بدفء نبضات قلبكَ ساعات الليل وأطراف النهار. حاولتُ إقناعكَ آلاف المرات أن القناعة شيء لايقدر بثمن, وكنت ثائراً متمرداً على كل مباديء القبيلة ومباديء العشق المعروفة في لوحاتِ الرسامين ومؤلفات المؤلفين في كل العصور.أخبرتكَ أن حبي لكَ لايعترف بماديات العالم من أقصاه الى أقصاه. كنتَ تضحك بخبثٍ وتقنعني أن الحب بلا مالٍ ليس له وجود. من قال لك هذا؟ الحبُ حينما يطأ مساحات القلوب الشاسعة يتراجع كل شيء يتعلق بالمادة . تقول لي أنني رومانسية أبحث عن همساتِ عشق في مقابر الفقر والحاجةِ الى كل شيء. حاولت أن أرسل شرارة مبادئي إليكَ تخبرك أنني مقتنعة بك وحدك دون كل كنوز ألأرضِ. كنت تضحك وتطلب مني أن أصبر عدة سنوات وستعود محملا بصناديق كنوز ألأرض كلها. صدقتك ولو أنني كنت أضحك في سري من أحلامك الكبيرة . رحلت عند الفجر وتركتني هنا وحيدة أخرج كل فجرٍ منذ خمسة عشر عاماً لعلي أشاهد طيفك يأتي من بعيد. كل سنة تخبرني أن المدة ستنتهي في العام القادم, ومرت السنوات وراح شبابي ينحسر ينحدر ينحصر رويداً رويداً. الذئاب البشرية تحوم حول جسدي منذ سنوات بعيدة وأنا أهش عليها بعفتي وطهارتي وأخلاصي إليك. لازالت حصون إنوثتي محمية لك وحدك لايحق لأحد أن يدنو منها سواك. لازالت عناقيد إنوثتي زاهية تنتظر مواسم الحصاد. مات أبي حسرة على يوم زفافي وماتت أمي تندب حظها على طول إنتظاري بسببك. قاتلتُ كل أعماق الرغبة من أجلك. اليوم تأتي وحولك جماهير غفيرة تهتف بصوتٍ حزين – إنا لله وإنا إليه راجعون- ونعشك مسجيٌ على ألأكتاف بصمتٍ وسكون. يذهبون الى المقبرة كي يكون الوداع ألأخير. أنظر الى الجماهير من بعيد ..من ناصية الباب الحزين لا أذرف دمعة ..فالدموع قد جفت في مقلتاي منذ زمن بعيد. حاولتُ عشرات المرات أن أنسى كل ألأحلام التي تشاركنا بها معاً. عشرات ألأمسيات أقف وحيدة عند النافذة المطلة على الشارع الطويل أترقب خطواتك بلا فائدة. أحياناً أحاول أن أقنع ذاتي أننا لن نلتقي أبداً بَيْدَ أن هواجسي الدفينة تثور علي وتقنعني أنك ستعود. غداً سأذهب الى قبرك عند الغروب وأجلس عند قدميك وأصرخ بأعلى صوت...كيف تركتني جثة وحيدة بلا صديق بلا قريب بلا حبيب؟ سأحمل سكينة بين طياتِ ثوبي ألأخضر – الذي تعشقه أنت حتى الموت- وأطعن قلبي وأجعل دمي يرطب تراب قبرك...من يدري ربما ألتقِ بك هناك في عام آخر.
مقالات اخرى للكاتب