أظهرت نتائج استطلاعات الرأي الإسرائيلية، وحتى آخر ساعة نام فيها الإسرائيليون يوم الانتخابات، بتساوي كفة الجبهتين اليمينية المتشددة بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والمعسكر القومي الصهيوني بقيادة إسحاق هرتسوغ، لكنهم استفاقوا على فوز نتنياهو بـ30 مقعد مقابل 24 للفريق المنافس، فوز خلط الأوراق وقلب كل التوقعات وسبب إحراجا لمراكز استطلاعات الرأي.
نتنياهو صرح قبل الانتخابات، بأن هناك مؤامرة داخلية وبمساعدة خارجية تحول دون فوزه، خاصة بعد خطابه أمام الكونكرس، وعدم استقباله من قبل الرئيس الأمريكي، لكن مالذي حصل؟ حتى يصبح الخاسر منتصرا.
حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، يعتبر اليمين اليمين في إسرائيل، وهذا يعني التطرف والتشدد بالمواقف، خاصة وان إسرائيل تعتبر عدوه لجميع جيرانها من الجهات الأربع، مما يجعل الناس تبحث الأمان، والأمان الشخصي بالذات، حسب الفطرة التي أوجدها الخالق سبحانه، حتى يبقى النوع البشري.
كل المتطرفين والمتشددين يحملون نبره عدائية نحو الآخر (العدو أو حتى المنافس)، ولهم من يقف معهم ويشجعهم في ذلك، حسب نظرية الأمان البشري، فالشعب الإسرائيلي مهدد خارجيا وبحاجة إلى من يدافع عنه، ومن يتقمص صفة الزعيم القوي الشجاع، يكون محط أنظار الأغلبية.
كان نتنياهو يطمأن حلفاءه، ويتعمد إطلاق التصريحات المتطرفة، أملاً في حصد المزيد من أصوات المتدينين والخائفين والباحثين عن الأمان، لكن "زبدة" التطرف والتصريحات، كانت فيآخر يوم قبل الانتخابات، حينما قال لا وجود لدولة فلسطينية، ونعم لتهويد القدس، ولا تنازلات في المفاوضات.
التصريحات المتناسقة المتطرفة المجدولة حتى آخر لحظة، حصدت أصوات الخائفين، الحالمين بزعيم قوي، وأسقطت مشروع الاعتدال والتفاوض، وقللت من أهمية المعسكر القومي الصهيوني المنافس.
تخويف الناس وحصرهم في زاوية، يجعل أكثرهم أداة طيعة، ويجعلهم مرتبطين بمصير السياسي، وما يقرره ليكون صراطا مستقيما لهم، وهذا الدور المخفي عن بسطاء الناس، يتعمده كثير من السياسيين أيام الانتخابات، حتى انه اعتمد أيضا في الانتخابات العراقية عام 2014، حيث صدحت حناجر بعضهم بسُم الطائفية، والتخويف من الآخر ونجحت نجاحا غير متوقع.
لكن لهذا الأسلوب نتائج أخرى، خافية على المتشددين والمتطرفين ومن ينتخبهم، ألا وهي أن ما جنته المفاوضات مع الفلسطينيين من أمان واستقرار لليهود، يفوق بكثير ما خلفته الحروب، وأيامها السوداء على الإسرائيليين، خاصة حرب لبنان 2006.
وكذلك نحن في العراق لم نحصل من المتطرفين إلا شعب مشتت، وأموال مستنزفه وأرض محتلة، وهذا ما يجعلنا نعيد حساباتنا، من أن التشدد والتطرف والطائفية له فائدة كبيرة أيام الانتخابات، لكن خطره على الوطن مهول، ولا يمكن التكهن به.
مقالات اخرى للكاتب