قال السيد هوشيار زيباري : انه من الممكن دعوة ايران الى التدخل لانهاء وجود داعش في العراق ! ويبدو ان ذلك ،لايجد ممانعة ، تذكر ، من الادارة الامريكية ، والتي اكد السيد الزيباري ان العراق طلب ، رسميا ، تدخل قوتها الجوية لتوجيه ضربات الى داعش ،وهذا هو العجب العجاب ، والذي يدعو ربطه والتأمل فيه ،الى بعث الريبة والشك والبحث عما وراء الأكمة ، خصوصا ،مع هزيمة الجيش في الموصل و " تحريرها " ومناطق اخرى من قبل " الثوار" بحسب من يؤيدهم او " داعش واخواتها" بحسب من يعارضهم . والوقائع والمؤشرات التي تثير الشك والخوف مما وراء الأكمة هي ما يلي :
1- منذ اكثر من عشر سنوات هناك حدس من ان امريكا ستهاجم ايران يوما ما ، من العراق او بواسطة العراق ، في نسخة اخرى ، معدلة او مختلفه ، من الحرب الصدامية ،على اكثر تقدير ، لكن الشيء غير المنطقي ، بحسب ظاهر الحال ، هو في الكيفية ، مع واقع طبيعة الارتباط المذهبي لاكثرية سكان العراق ، بايران ، وحقيقة كون الاحزاب والقوى " الشيعية " تمثل الثقل الاساسي في السلطة والدولة العراقية اليوم ، وصعوبة اثارة نزاع قومي او عنصري او مذهبي مع ايران تحت ذرائع قوية ،بسبب تعاطف معظم هذه القوى مع ايران والقليل منها الذي امكن استمالته لفوبيا ايران لايمثل ثقلا مؤثرا في الشارع العراقي الشيعي.
2- وجهت امريكا ، علنا ، الدعوة الى ايران ، لمشاركتها ، في الحرب على الارهاب في العراق، وهذا نوع من السوريالية الغريبة في عالم اليوم ، لكن كل شيء ممكن ، فايران ، سترحب او ، على الاقل لن تعارض بصخب ،بناء عليه ، الضربات الجوية الامريكية مع ما تستلزمه من حاملات الطائرات والسفن الساندة في الخليج والمتوسط وكذلك اطقم ومنظومات الخدمة من العسكريين وكافة التسهيلات اللوجستيه على الارض ، في العراق ، مع ما يتطلبه ، كل ذلك من حرية الحركة ، لكن الاوان سيكون قد فات ، بعد ذلك ، في الوقوف في وجه تطويرها لفعالياتها باتجاه ايران نفسها وقبلها ، القوى الداعمة لها في العراق، تحت ذرائع ومبررات مناسبة !
3- ان تسليم الموصل الى مهاجميها ، دون معركة حقيقية ، تضمن الكثير مما يستدعي الحذر الشديد ، دون التوقف طويلا عند احاديث ، الفساد والخيانه ونقص الخبرة ... الخ فالموصل والمناطق الاخرى ، منحت المسلحين " اقليما" او ارضا واسعة لتكون قاعدة كبيرة لفعل عسكري طويل ومؤثر او خرق ستراتيجي ليس من السهولة التعامل معه ، كذلك فانها جهزته ببيئة اجتماعية حاضنه كبيره ومهمة ، ويمكن ان تكون بداية لتشكيل دولة محاربة واتخاذها، مع تطور الاحداث مضمونا طائفيا ، متزايدا ، عبر الفعل ورد الفعل ، خصوصا من خلال تدخل ايران المسلح، الذي يدعو اليه زيباري ، وهو رجل لاينطق عن الهوى ، مع التعبئة الطائفية والقومية التي جرت بالضد منها ، خلال اكثر من عقدين في الشارع " السني "، اضافة الى ان هذه القاعدة قد جهزت ، سلفا ، باطنان من العتاد والاسلحة والمئات من الاليات ، الجديدة ، وبارصدت بنكية ، بمئات ملايين الدولارات ، وجدتها بانتظارها ، ريثما تقف على قدميها!
4- ان الاكثر اثارة للريب والشكوك ، هو مساهمة قيادة اقليم كردستان ، بارتباطاتها وسياساتها المعروفة ، مساهمة فاعلة ، في دعم " الثورة المسلحة " عمليا واعلاميا ، مع وجود تركيا وقطر والسعودية في خلفية الصورة ! لقد اشار الكاتب الامريكي ، روبرت فسك ، قبل ايام اشارة ذات مغزى مهم ، بالقول ، ان سقوط الموصل ، يعني ان " شرقا اوسطا جديدا " قد بدأ، وان سقوط الموصل هو بداية النهاية لخارطة سايكس بيكو القديم وبداية لسايكس بيكو جديد ! لقد استدعت الحكومة العراقية والمالكي شخصيا، بحسب اعلان وزير الخارجية زيباري ، الطائرات الامريكية لقصف " داعش "، وهي تحسب انها افحمت الامريكان ، والزمتهم بتنفيذ التزاماتهم بموجب اتفاقية الاطار الستراتيجي ، وهاهي الطائرات الامريكية ، تبدأ اول طلعاتها الاستطلاعية في سماء العراق . سياتيك بالاخبار من لم تزود ! واقول لمن حسبوا انفسهم اذكياء : كان غيركم اشطر ! تذكروا صدام حسين وطول خدمته والى اين قاده " ذكاءه " مع الامريكان!
5- ان اقل الاحتمالات دراماتيكية ، والذي بات شبه واقع ، هو ان نشهد التقسيم العراقي ، الذي كان موضوعا لتوجس القوى الوطنية العراقية ، باستمرار ،من جهة ، ورغبة وترحيب القوى الطائفية والعنصرية والمرتبطة بما يحاك للعراق وللمنطقة برمتها من جهة اخرى ، اما اسوأها، فهو ان تلف الدوامة العراقية المقبلة والوشيكة ،كل المنطقة ، بالتدريج وتباعا في ثقب اسود يعيد ترتيبها لاحقا ، بعد سنوات من الاقتتال ، في اسوأ صورة متوقعة ، دويلات طائفية وعنصرية متناحرة ،يرنو فيها انسان مجتمعات متفسخة، بحسرة ، الى واقعنا هذا ووقتنا هذا ، كعصر ذهبي !
6- على المدى المنظور ،فان داعش والقاعدة وغيرهما ليست سوى ادوات اقتحامية تملك مؤهلات مفيدة لتحقيق بداية نافعة ، عبر صدمة الترويع، بالنسبة للسيد المتحكم بمصائر العالم وحلفه الاقليمي وغاياتهم ،اما من ستستقر الامور في ايديهم ، لاحقا ، فهم الاكثر قدرة على الادارة والتنظيم والحشد والديماغوجية ، وهم الذين جرت تجربتهم في العراق طوال عقود ، يجري اعادة تاهيلهم ،على عجل ، في العراق عموما ، وفي الموصل ومناطق " الثوار " الاخرى ، خصوصا ، وعلى البعض من ذوى النوايا المخلصة من المثقفين والكتاب والناشطين السياسيين ، ان يرعووا ويتبينوا ذلك ، اما الضالعين والمنغمسين في الوحل ، عن سابق تصور وتصميم فهذا هو شانهم ابدا ، حداة لركبان الغزو ومؤدلجين لما يحيق بالشعب والعراق من رزايا. اما بالنسبة للحكومة واطراف العملية السياسية ، وكل من عمل ، لاكثر من عقد ، على ان تصل الامور الى ما وصلت اليه ، ثم هاهو يستعين على الرمضاء بالنار، فنقول حذار يابراقش، فدخول الحمام ليس كمثل خروجه !
7- من المهم ، بالنسبة للجميع ، ان يتذكروا باستمرار ،ان الولايات المتحدة الامريكية ،تعتمد ستراتيجية تشبه جبل الجليد ، وان الظاهر والملموس لديهم ، منها ، هو الاقل بكثير ، من مجملها ، غايات ووسائل ، ولذلك يتعين التحرز والحساب الدقيق والنظر الى ماوراء الظاهر والاتعاض بمعطيات التجربه والتاريخ ، لان من لم تنفعه التجارب ضرته ، كما تقول الحكمة !
مقالات اخرى للكاتب