بعد نكسة العاشر من حزيران 2014 وأستباحة محافظة نينوى من قبل المجاميع المسلحة الإرهابية لداعش والقوى الرجعية المتحالفة معها يسجل التاريخ العراقي المعاصر اليوم نكسة أخرى ويرسم دائرة سوداء كبيرة وسط صفحاته العريضة بتهجير آخر ما تبقى من المكون المسيحي العراقي بالموصل .
ويبدوا أن الذين روجوا للمشروع الداعشي الطائفي بالعراق وجعلوا من عصابات القتل والترويع والتهجير والتي في أغلبها عصابات من المرتزقة والقتلة ( ثوارعشائر ) وطلاب حقوق خرجوا ينتزعون حقوقهم المغتصبة من قبضة الحكومة الصفوية قد ربحوا الجولة الأولى من مخطط التقسيم الطائفي للعراق ولن يجدوا صعوبة في تبرير ما حصل ويحصل لمسيحي العراق بالموصل من تهجير تعسفي شهد آخر فصوله بعد منتصف نهار هذا اليوم 19تموز 2014 بتهجير آخر مسيحي بالموصل وستجد قنوات التظليل الإعلامي في الشرقية والعربية والجزيرة والتغير التي أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن القتلة ومستبيحي أرض العراق وحرمات العراق ومقدساته ووفرت غطائاً إعلامي بما تبثه من سموم لتبرر هذه الأستباحة المدوية لمسيحي الموصل وكذلك الحال بالنسبة لعواصم الفتنة والتحريض على الطائفية والتمزيق في عمان والدوحة وأنقرة وأربيل التي سخرت كل أمكانياتها اللوجستية والدبلوماسية لشق وحدة العراق وضرب كياناته ومكونته لكنّا نقول لهم ماذا تبقى من المشروع الداعشي في العراق وهل ما زلتم مصرين بأن من قام بأستباحة محافظة نينوى ونشر الذعر والإرهاب بين أهلها وتهجير مسيحيها هم ( ثوار العشائر ) ؟
نعم أن ماحدث بالموصل اليوم يعد نكسة اخرى مضافة إلى نكسة العاشر من حزيران حين أندفعت المجاميع الملسحة لداعش ومن تحالف معها من البعثيين والطائفيين لتقتطع جزءاً مهماً من جسد العراق وتاريخه الحضاري المشرف في مؤامرة أشترك فيها خليط غير متجانس من السياسين الخونة والخارجين على القانون وبقايا البعث الصدامي والمرتزقة من داعشيين وقاعدة لرسم خارطة جديدة للعراق المقسم والمجزء تحت غطاء عالمي وأقليمي من الدعم الأعلامي والتسليحي شاركت به الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والسعودية وقطر وبعض الأطراف في التحالف الكوردستاني .
أن العراق الذي عرف ومنذ عهود متأخرة سبقت الفتح الإسلامي عام 637 ميلادية 14 هجرية بكونه واحداً من مواطن المشرق التي أحتضنت الدين المسيحي والطائفة المسيحية السرياينية يصبح اليوم قاب قوسين من خلو أرضه من هذا المكون الذي طالما أثرى واغنى أرضه وحضارته بعشرات الأسماء اللامعة في ميادين الثقافة والعلوم والأجتماع والأدب مثل أسرة آل بختشيوع الذين خدموا الخلافة العباسية الأسلامية والعالم واللغوي حنين أبن أسحق والطبيب العالمي العراقي آرار درزي والرياضي الكبير عمو بابا والآثاري العراقي دوني جورج مدير المتاحف العراقية والموسيقار منير بشير وعالم الآشوريات هرمز رسام كل هؤلاء وغيرهم ممن ساهموا في صياغة مشروع الثقافة والحضارة العراقية على أمتداد مراحله الحضارية سيظلون رموزاً حية نابضة في سفر التاريخ الحضاري العراقي على مر عصوره .
أن خسارة المكون المسيحي بالعراق سواءاً بالموصل أو أي جزء من أرض العراق خسارة كبيرة لجزء مهم ومكون رئيسي من مكونات شعب العراق ونسيجه الأجتماعي فعلى مدى ما يقارب القرن من تأسيس العراق الحديث في العقد الثاني من القرن العشرين وحتى منتصف القرن الماضي كان المكون المسيحي يمثل ما نسبته 3.1% أي حوالي 149 ألف نسمة من أجمالي سكان العراق الذين كان يبلغ عددهم أربعة ملاين ونصف المليون نسمة ليزداد عددهم في ثمانينيات القرن الماضي إلى ما بين مليون ومليونين نسمة قبل أن يبدأ العد التنازلي بالتناقص مع بدايات التسعينات وما عاناه العراق من سياسات الحروب والتجويع والقتل التي حدثت أيام النظام المقبور .
بعد سقوط النظام في 2003 وما تلاها من أحداث دموية طائفية وضعف مؤسسات الدولة وأستفحال أمر المجاميع المسلحة تعرض المكون المسيحي شأنه شأن باقي مكونات الشعب العراقي إلى حملة منظمة التهديد كان الغرض منها تهجير أكبر نسبة من هذا المكون والأستحواذ على ممتلكاتهم حيث أشارت تقارير عالمية إلى نصف مسيحي العراق البالغ عددهم 1.500000 قد غادروا إلى خارج العراق بسبب أعمال العنف والتهديدات .
ويبدو أن مخطط الترحيل والتهجير القسري للمكون المسيحي بأعتباره ثاني مكون ديني بالبلاد بعد الديانة الأسلامية سيستمر وأصبح الغرض منه معروف ومكشوف بعد الآن ليتحول الصراع في العراق في الأيام القادمة إلى صراع أثني طائفي ( سني – شيعي ) بعد أن تحول المكون الكوردي إلى مكون خارج معادلات المشهد الجيوسياسي العراقي بعد رسم حدود الأقليم الكوردي بعد أحداث العاشر من حزيران وهذا ما يشهد به التكالب المحموم للقوى الداعمة للإرهاب بالمنطقة في العراق وسوريا لغرض تقسيمها إلى دويلات طائفية ومناطقية لتكون النهاية المفجعة لتاريخ الدولة العراقية الحديثة وسط صمت وأرباك مخجل للقوى السياسية العراقية التي قادت المشروع الطائفي بالعراق ومهدت الأجواء لنكسة العاشر من حزيران وما أعقبها من نكبات وما سيعقبها من أحداث سوف لن يكون فيها المكون المسيحي وحده هو الخاسر بل كل المكونات العراقية وحتى أولئك الذين روجوا لمشروع الطائفية والتقسيم خلف كواليس الشرقية والعربية والجزيرة والتغير في دهاليز التآمر في عمان وأربيل وانقرة وواشنطن والدوحة .
مقالات اخرى للكاتب