القلوب تحيى بالعلم النافع والفكر الانساني النبيل الذي يهدف الى سعادة البشر , العلم الذي يقوّم مسيرة الحياة ويعرّفها ماضيها وحاضرها ومستقبلها , ويكشف لها نقاط الضعف والقوة , وكيف تستطيع ان تعالج نقاط ضعفها عندما تعلم اسباب الضعف واسباب القوة , ونحن نعلم ان من اسباب الضعف هو الجهل والتخلّف او العصبية والحسد والغضب لذا قال رسول الله (ص) ( من تعصّب عصّبه الله بعصابة من نار جهنم ) كذلك ان لا يرى أحدنا شرار قومه خير من خيار قوم آخرين لان هذا حرام مبدئيا في الاسلام , او الاختلاف والتناحر في المبادئ والقوانين وغيرها , كما قال رسول الله (ص) عند ابتعاد بعض الفرق عن الأئمة (عليهم السلام)( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس. ) .
أما اسباب القوة هي الوحدة والتعاون ووحدة الهدف والثقافة والاخلاق الطيبة الحميدة واجماع الرأي والتوافق على المبدأ واقرار القوانين الملائمة لاوضاع البلد وازماتها او بنائها وتقدمها لتؤسّس حضارتها الجديدة وتربطها بالحضارات السابقة وحضارات الامم المتطورة لتكون امتنا الاسلامية من أعظم الامم قديما وحديثا .
ان الأمة تنهض برجالها عندما يتسلحون بالعلم والحكمة ومعرفة اسباب النهوض والتطور ومن اولوياتها النضج العقلي والفكري والعمل الدؤوب والتحدي لكل الصعاب مع الاخذ باسباب القوة التي ذكرناها . ان النهوض بالبلد ليس بالكلام الرشيد او طرح النظريات ولكن بهمم الرجال وكما يقال (همم الرجال تزيل الجبال) والعمل المثمر المستمر ليعطي النتائج الطيبة في طريق النهوض والتطور .
لقد نهض رسول الله (ص) بأمته عندما قدم لها ذلك النظام السماوي الذي يضمن حقوق الانسان والارض والحيوان بعد ان كانت العرب تعيش على اراقة الدماء والنهب والسلب كما يقول شاعرهم ( ألا لاتجهلن علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا) , يريد هذا العربي ان تكون كلمته فوق كلمة الآخرين وان لا يختلف معه أحد لئلّا يقتله وان أدى الى حرب البسوس . فجعلها رسول الله أمة تعيش على الزراعة والصناعة والعمل في مرافق الدولة ليضمن معيشتها ويستطيع كل شخص ان يضمن رزقه بكد يمينه كما قال رسول الله (ص) (العبادة عشرة اجزاء تسعة منها في طلب الحلال) وقال (ص) ايضا (أفضل العبادة طلب الحلال ) , وعندما يطمئن الانسان لزقه يستطيع ان يقدم المزيد والافضل لوطنه .
ان رسول الله (ص) عندما اوصى الى علي (ع) لخلافة الامة الاسلامية ليس لحسبه ونسبه ولكن لأهليته العلمية اولا , لانه يمتلك الخبرة السياسية والادارية والعسكرية وانه قاد الجيوش الاسلامية من نصر الى نصر وكذلك استطاع ان يساوي بين الناس ويقيم نظام الله على الحق والعدل لان علي مع الحق والحق مع علي , وهذا ما وصى به رسول الله (ًص ) في مواقع عديدة , وهذه الوصية جائت من الله سبحانه لان رسول الله لا ينطق عن الهوى انما هو وحي يوحى .
ثانيا ان امير المؤمنين (ع) لديه القابلية والقوة على حمل اعباء الرسالة وأداءها بصورة صحيحة وتطبيق قوانينها على البشرية بشكل منتظم مما نبّه المفكرين والعلماء بمختلف اختصاصاتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والجنائية الى فكره القويم ومبادئه الحقّة وعدله القويم وانسانيته العظيمة جعلهم يستشهدون بنصوص كلماته الحكيمة التي تعالج المواضيع الشائكة والصعبة .
كان أمير المؤمنين (ع) رائد الحركة الفكرية لانه كان فكرا يتوقد في كل الامور السلمية والادارية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية لم يترك منهجا الاّ وضع بصماته عليه واعطى رأيه في كيفية رواجه او علاجه او تبليغه ونشره , ورائد السلام في المناهج العسكرية والامنية والدفاعية عن الاسلام والمسلمين .
لقد كان علي (عليه السلام)القدوة للاجيال عندما نتعرف عليه من خلال مناهجه الفكرية , وماذا نريد من خلال معرفتها , ليشعر الطالب عندما يدرس منهج حياة علي (ع) يتعرف الطالب على أخطائه عندما يقارن بين عمله او اسلوبه في نظامه وبرامجه العلمية والعملية وبين اسلوب ونظام امير المؤمنين (ع) في العلم والعمل في الماضي والحاضر , ليقوّمه ويسلك من خلاله المنهج الحق الذي يرضى به الله ورسوله والناس اجمعين .
لقد ابدى أعداء الله ورسوله والانسانية امتعاضهم وغيضهم وحسدهم لأمير المؤمنين عندما خلّفه رسول الله من بعده خليفة واماما للمسلمين ليسلك بهم مسالك الحق والعدل ويجعلهم امة اسلامية تسود العالم كله بعلمها وحضارتها وتطورها وتقدمها لكنهم حالوا بينه وبين قيادة الأمة عندما تحزّبوا عليه كما تحزّبوا على رسول الله من قبل وبادروا لمعاداته وقتاله يريدون بقتله قتل الاسلام الحنيف والعودة للجاهلية المقيتة فقاتله الناكثون أمثال الزبير بن العوام وطلحة ومروان بن الحكم عندما جاؤوا بأم المؤمنين عائشة وقد حذّرها رسول الله من الخروج مع الزبير وطلحة في معركة الجمل . وعندما انتهت المعركة ارسلها امير المؤمنين مع أخيها محمد بن ابي بكر وارجعها بصحبة عشرين امرأة يخدمنها بكل احترام . والطائفة الثانية هم القاسطون وهو معاوية وعمرو بن العاص ألّبوا عليه جيش من الشام قوامه أكثر من مائة ألف جندي وعندما انتصر عليهم رفعوا المصاحف خدعة منهم ليحموا انفسهم من سيف امير المؤمنين . والطائفة الثالثة هم الناكثون الخوارج بقيادة بن الكواء بعد ان عاثوا فسادا وقتلوا الابرياء عند ذلك قاتلهم امير المؤمنين وانتصر عليهم ولكنهم حاكوا عليه المؤامرة مرة اخرى بقيادة عبدالرحمن بن ملجم (لعنه الله) واستطاع ان يغدر به أثناء صلاة الفجر يوم الحادي والعشرون من شهر رمضان المبارك لتخسر البشرية أعظم انسان بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) , لقد مات والصلاة بين شفتيه مات وذكر الله لا يفارقه مات ودموع حب الله في عينيه , لقد مضى شهيدا في سبيل الله وفي سبيل اعلاء كلمة الله لينال رضوان الله الاكبر وحبه الابدي السرمدي , فطوبى له وسلام عليه وبركات من الله العزيز الحميد . والحمد لله رب العالمين .
مقالات اخرى للكاتب
