نظن و نعتقد بأن كل عراقي شريف و مخلص لبلده و حريص على مصلحة و أمن شعبه سيفرح من صميم قلبه ، لو اتفق الساسة " و القادة " العراقيون المتنفذون فيما بينهم على برنامج عمل سياسي شامل وإصلاحي كامل ، بحيث يخرج العراق من مأزقه الراهن ، و يساهم في تخليص شعبه من معاناته و مأساته و عمليات تقتيله الحالية و المتواصلة ..
حقيقة إن هذا الأمر لا يحتاج إلى تأكيد أو تكرار إطلاقا ..
ولكن الشارع العراقي قد جرّب هؤلاء الساسة و القادة من فرسان المنطقة الخضراء على مر السنوات الماضية ، و عرف طبيعة ارتباطاتهم الخارجية ، و عقليتهم التآمرية ، و ذهنيتهم التحايلية على صعيد عدم الالتزام بالوثائق و العهود أو الوعود ــ كأني بهم صداما بُعث حيا !ــ و النكوث الدائم بها قبل أن يجف الحبر عليها ، بغية تمرير الأهداف المبيتة و تحقيق النوايا السياسية المضمرة ، بهدف الإيقاع بالخصم السياسي المنافس و سحقه معنويا ، ومن ثم التغلب عليه مهزوما ومهمشا ، و بأساليب ووسائل لها علاقة بكل شيء ، ولكن ما عدا بالشرف !.
و ربما لهذا السبب بالضبط لا يعوّل الشارع العراقي كثيرا أو قليلا ، ولا بمزيد من أمل و رجاء على وثيقة الشرف الموقعة الآن من قبل بعض الساسة و القادة العراقيين المتنفذين ، ليس فقط للأسباب الأنفة الذكر أعلاه ، و إنما لكون هؤلاء الساسة لم يناقشوا بمزيد من صراحة أو عبر حوار صريح و صادق أمورا ملحة و ساخنة ، أو بالأحرى لم يعالجوا مجمل المشاكل و الأزمات العالقة و الخطيرة الحالية التي تعصف بالعراق كعاصفة هوجاء و مزمجرة ، من قبيل :
أسباب تدهور الوضع الأمني بهذه الصورة الخطيرة و الفظيعة ، وما هي أسباب و دوافع و مصادر الإرهاب ، تجنيدا و تمويلا ، و دعما لوجستيا ، و حواضن و أوكارا ، تشخيصها ، و كيفية إزالتها من خلال تجفيف مصادرها ، و بشكل نهائي و جذري ، و تحقيق بعض مطالب المعتصمين غير المتضاربة مع بنود الدستور ، ومناقشة حقيقة الشعور بالغبن و الإجحاف من قبل بعض الأطراف ، و هل موجود فعلا مثل هذا الإجحاف و الغبن ، و لماذا ؟ ، فهل بسبب تميز طائفي و انتقامي ، أم أنه مجرد شعور متخيل أو مفتعل أصلا لأمور نفسية ناجمة عن فقدان السلطة و الامتيازات السابقة ..
ومن ثم معالجة مسألة الاعتقالات العشوائية و مداهمة البيوت و الاعتداء على حرمتها ، فهل يجري ذلك بشكل عشوائي و تعسفي ، أم بأمر قضائي مشروع و مبررو بدوافع أمنية محقة و ضرورية ..
و أخيرا و ليس أخر : الاهتمام الجدي و الصريح بكشف ملف الإرهاب و كل المتواطئين فيه من شخصيات سياسية أو برلمانية و أجهزة حكومية مخترقة أو موجهة ، و كذلك دور أجهزة مخابرات و حكومات دول جوار و بعاد في دعم و تأجيج الإرهاب في العراق و كيفية التصدي له ووقفه نهائيا ..
طبعا إضافة إلى مسألة تقسيم السلطة و المناصب و توزيع الثروات الوطنية بالعدل و القسطاط ، و عدم الاستئثار بها أو خلق شعور بالهيمنة عليها عند البعض ، بحيث ينتفي أو يختفي و يُزال الشعور بالغبن أو الإجحاف أو التهميش ، حتى ولو إذا كان هذا الشعور مبالغ به أو غير واقعي بالمرة ، أو واقعي تماما و فعلا ..
إن إزالة شعور من هذا القبيل ، هو أصلا إزالة لشعور بالغالب و المغلوب ، ومن ثم تمهيدا وتأسيسا للشعور بالمواطنة الحقة ، و المؤدية بالضرورة إلى الخروج من القوقعة الطائفية التي تغذيها منابع المحاصصة السلطوية و الامتيازات الملكية لأمراء الطوائف المتحكمين ..
فكان ينبغي و يجب تناول كل هذه الأمور و المساءل بصراحة و نية حسنة و صادقة ، ومن ثم إيجاد حلول مناسبة و مرضية لها ، و ضمن إطار من مصالحة وطنية شاملة و حقة ، قبل التوقيع على وثيقة الشرف " الخضيرية " ..
أي قبل أن تنحدر البلاد نحو أوضاع وهاوية مظلمة و مصيرية خطرة ..
كما هي الحال الآن ..
و إلا عن أي سلم أهلي يتحدثون الآن هؤلاء الموقعون ، في الوقت الذي تمزق سماء و أجواء بغداد و محافظات أخرى أصداء دوي انفجارات و ألسنة حرائق دائمة مع سقوط أعداد جديدة و جديدة من ضحايا عُزل من ناحية ، و العثور على عشرات جثث " مجهولة " الهوية من ناحية أخرى ؟!..
و ربما بعلم و تواطؤ من قبل بعض الموقعين على وثيقة الشرف المزعوم ..
فبهذا المقدار عن وثيقة الشرف المزعوم !!..