نشرت وكالات الأنباء العالمية قبل أيام قليلة خبرا مقلقا جدا – انفردت وكالة السومرية نيوز بنشره يوم أمس السبت 17 أيلول / سبتمبر، تجدون رابطه في خانة أول تعليق- مفاده أن تركيا على وشك الانتهاء من سد أليسو العملاق على نهر دجلة، وقد يتم ذلك منتصف العام القادم بعد ان اشيع وروج بقوة أن العمل به قد أوقف نتيجة تخلي الشركات والبنوك الغربية عن تمويله و تنفيذه بعد حملة لمنظمات المجتمع المدني التركي ساهمت فيها بشكل محدود منظمة عراقية. ويبدو أن السلطات التركية استغلت صمت وانشغال العالم والعراق بما حدث بعد استفحال الطاعون الداعشي التكفيري فاستمرت في العمل على تنفيذ بناء السد، وها هي توشك على الانتهاء من تنفيذه. لنبدأ أولا بمعلومات موثقة عن هذا السد نشرتُها قبل أكثر من خمسة أعوام في كتابي ( القيامة العراقية الآن : كي لا تكون بلاد الرافدين بلا رافدين/ دار الغد – بغداد 2012 ):
- إنَّ كميات المياه الواردة إلى العراق عبر نهر دجلة، ستنخفض بشكل كبير عند اكتمال تنفيذ هذا السد، فهذه الكميات الواردة بشكل طبيعي لا تقل عن 20,93 مليار م3 في السنة، ولكنها ستنخفض عند إنشاء السد إلى أقل من النصف، إذْ سيرد إلى العراق منها 9,7 مليار م3 أي ما يشكل 47% من الإيراد السنوي الطبيعي منذ القِدَم مع زيادة هذه الكميات خلال الفيضانات الكبرى وتلك حالات استثنائية. هذا النقص الفادح في مياه نهر دجلة، سيؤدي إلى إخراج مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية من الاستخدام خصوصا في شمال العراق / إقليم كردستان.
- الأضرار البيئية التي ستنجم عن تقلص رقعة الأراضي الخضراء والمراعي الطبيعية وزحف ظاهرة التصحر، فسوف تنعكس على الطقس في العراق، وستتكرر العواصف الرملية طوال العام، وسيحول سد أليسو نصف العراق إلى صحراء.
- من الناحية السكانية، فإنَّ السد سيحرم أعدادا كبيرة من السكان من مياه الشرب، وسيلوث مياه الشرب المتبقية، لأنها ستمر في مولدات الطاقة الكهرومائية التركية و ينضاف إليها ما يخرج من مياه ملوثة من منظومات الصرف الصحي للمدن الواقعة على نهر دجلة. وسيرتفع مستوى التلوث والملوحة في هذه المياه إلى 1800 ملغ /لتر، كما هي الحال في مياه الفرات التي تسمح تركيا وسوريا بمرورها إلى العراق بعد أن تشبعها بالملوثات والأملاح الناتجة عن الاستهلاك والزراعة والصناعة في سوريا، في حين أنَّ المعدل العالمي للتلوث لا يزيد عن 800 ملغ/ لتر! فلنلحظ الفرق بين ألف وثمانمائة ملغ/ لتر وبين ثمانين ملغ/ لتر.. أليس هذا قتلا للعراقيين بسلاح التلوث ؟
-سيتغير السد نمط معيشة السكان إلى أنماط غير منتجة، فتتدهور الزراعة والرعي وتتراجع أعداد الثروة الحيوانية.
-ستتأثر عملية إنعاش الأهوار حيث أنَّ انخفاض واردات العراق في دجلة وفي الفرات بنسبة 90% بسبب السدود التركية ونضيف إلى ذلك المشاريع الإيرانية الخطيرة وسترتفع نسبة الملوحة والتلوث في مناطق الأهوار.
-سيؤدي انخفاض مناسيب المياه في دجلة إلى توقف العمل في منظومات توليد الطاقة الكهربائية المقامة على طول نهر دجلة، وخصوصاً في سدي الموصل و سامراء، وسيؤثر ذلك على النشاط الصناعي والبنى التحتية كمحطات تصفية المياه ومصافي النفط والمستشفيات.
-ستنخفض مناسيب الخزانات الطبيعية التي يعتمد العراق عليها في عملية خزن المياه للاستفادة منها في مواسم الجفاف كبحيرتي الثرثار والحبانية.
وكنت قد أطلقت آنذاك الدعوة التالية و التي لا مستقبل لها كما أعتقد بوجود نظام حكم المحاصصة الطائفية الرجعي والتابع للولايات المتحدة ولإيران، نظام يقوده لصوص وفاسدون تحميهم مليشيات محلية وحاملات طائرات أجنبية ... ومع ذلك أعيد التذكير بتلك الدعوة على الأقل من باب تسجيل الشهادة:
( إنَّ بناء وتبني إستراتيجية جريئة وشجاعة تدافع عن العراق شعبا ووطنا، تبدأ بالخيارات السلمية و رفع القضية إلى المحافل الدولية ورفع دعوى إلى محكمة العدل الدولية ضد تركيا وإيران، وتستخدم كافة المساعي السلمية والدبلوماسية، فإنْ واصلت السلطات التركية والإيرانية عنادها وإصرارها على تدمير و تصحير العراق، فلا بد حينها للعراق من امتشاق خيار الدفاع العسكري عن النفس والتهديد بتدمير تلك السدود القاتلة والتي تحولت إلى جبال من الإسمنت المسلح، يحتجز خلفها تجار المياه وكهرومياه مياه دجلة والفرات وأغلب روافدهما ليموت العراق ويزول من الأطلس العالمي. إنها استراتيجية دفاعية بحتة، ومشروعة تماماً من النواحي القانونية الوضعية والدينية والأخلاقية ولا بد منها لمواجهة خطر الفناء، وهو فناء حقيقي هذه المرة وليس أسطوريا!).
لنا عودة إلى هذا الموضوع لنقرأ ماذا كتب عنه وفيه وحوله، و سنمر على ما كتبه السيد وزير المواد المائية الحالي السيد حسن الجنابي حين كان يحمل صفة خبير وباحث في شؤون المياه والهيدرولوجيا والبيئة حول سد أليسو وكيف أثبت الواقع عدم دقة توقعاته. والسيد الجنابي باحث محترم وكفوء، كان على علاقة و تواصل مع أستاذي الراحل هادي العلوي الذي أطلعني على رسائلهما المتبادلة حول موضوع السدود التركية على نهري دجلة والفرات حين كنا ننشط في لجنة الدفاع عن الرافدين في التسعينات من القرن الماضي وما زلت محتفظا ببعضها. كما ستكون لي وقفه أشمل حول الموضوع متى سمحت صحتي بذلك داعيا جميع الأصدقاء والنشطاء الوطنيين للاهتمام بهذه الموضوع وإعطاء هذا الخطر الداهم حقه من الاهتمام كتابة ومشاركة و بحثا .... الخ. يتبع.
مقالات اخرى للكاتب