ربما تكون , واحدة من ( فضائل !) طواقم السلطات في العراق , سهولة وصول المواطن الآن الى قناعة بالدور الرئيسي لأحزاب السلطة في حجم ونوعية معاناته المستمرة , نتيجة صراعاتهم على المصالح الخاصة دون مصالح عموم الشعب الذي انتخبهم , ضاربين عرض الحائط بكل تعهداتهم التي ضمًنوها برامجهم الانتخابية خلال الدورتين الماضيتين , ويستعدون الآن لتحضير المسرح للدورة القادمة لعرض مسرحياتهم المعادة بأزياء جديدة تناسب ماتمر به المنطقة من غليان دموي مخيف يتواؤم مع أجنداتهم لأبقاء نسب تقاسم الغنائم على حالها لأربعة أعوام قادمة . لقد تآكلت المكاسب التقليدية لسقوط الدكتاتورية البغيظة التي يفترض أن يتحصًل عليها ضحاياها دون عناء , أمام تصاعد لافت لمكاسب الطبقة الحاكمة وطواقمها طوال العشرة أعوام المنصرمة , في لوحةِ فريدة من الدجل السياسي والأصطفافات الطائفية المنتجة لصراعات دموية وقودها الأبرياء من أبناء الشعب , دون أن تمس مفتعليها ومدبري سيناريوهاتها وأدوات أدامتها , وكأنهم خارج ساحات تأثيرها , حتى أوصلوها الى أهدافها المرسومة سلفاً وأخطرها , أستسلام المواطن الذي بات يطلب الأمن والآمان حتى وهو يبحث في المزابل عن قوتِ عيشه . لم تعد مخفية, الخطوط الرئيسية التي تؤطر المشهد العراقي , الوضع الأمني الهش وتزايد نسبة الذين يعيشون دون خط الفقر وضعف الخدمات والبطالة وتضاعف أعداد سُرًاق المال العام والرشوة وضعف سلطة القانون , هذه الملامح التي تتصف بها الصورة العراقية رسمتها أصابع السياسيين المنتخبين من شعبهم المضحي والدافع لأثمان أنتخابهم ضرائب من دماء شهدائه , وللمفارقة نقول , أن غالبيتهم لازالوا يحثون الشعب على أنتظار الغد المزعوم ليحصد المكاسب . أن المتاجرة بالشعارات الرنانه بضاعة كاسدة في عراق اليوم , ربما لأن الأربعة عقود التي أتخمنا خلالها البعثيون بشعاراتهم كانت وستبقى مصلاً مضاداً لهذه الأساليب القميئة التي تفصح عن مضامينها الهزيلة حين تطلقها جهات بعينها , فالشعارات أصلاً تأخذ حجتها من تأريخ مطلقيها وقواعد أستنادهم الفكري وليس من ألوان طواقم الخطاطين ونوعية الأقمشة التي تكتب عليها , والشعب العراقي وحتى طواقم السلطات الآن تعرف تماماً , أن حيطان الطين لبيوت الفقراء كانت شاشات مضيئة للشعارات التي أقضت مضاجع الحكام في سنوات النضال الوطني ضد الأستعمار وعموم الظالمين . أضاحي العرقيين , كأضاحي عموم المسلمين , ينحرونها في العيد الكبير فداءاً لأعزائهم المغادرين للعالم الآخر امتثالاً وتنفيذاً لطقوسِ وقناعاتِ تتجدد في كل عام , يجمع الفقراء تحديداً أثمانها من رزقهم حتى لو كان كفافاً , وتوزع لتُحقق مرادهم في الذكر الطيب للغائب وفاءاً وألتزاماً يتجدد جيلاً بعد جيل . أما ( أضاحي ) فصائل السلطات , المنتخبين من العراقيين منذ عشرة أعوام , فهي لاتمت بصلة لأصل المفهوم العام ولالتفاصيله وغاياته , لأنها أضاحي بشرية تُنحر يومياً بطرق وأساليب وحشية في عموم مدن العراق وقصباته , وتستهدف جميع مكوناته , وتختار توقيتاتها وأماكن تنفيذها بحرية وأصرار لاتردعه قيم ولا مبادئ أديان ولاقوانين وضعية , ويجري تنفيذها وفق برامج تتأكد يوماً بعد آخر أرتباطاتها بأجنداتِ سياسية أكبر وأخطر من التبريرات التي تطلقها الأحزاب الحاكمة , دون أن تعي أن الشعب الموجوع عَبَرَ مراحل ( التسويق المعلب )! , للحجج والضرورات الفارغة , ووصل الى حالِ يَسال فيه السؤال الخطير : لماذا تستثنى المنطقة الخضراء من نحر الأضاحي البشرية ؟, ولماذا ينحر ( سياسيو المنطقة الخضراء ) أضاحيهم خارجها ؟ !!.
مقالات اخرى للكاتب