يحرص بعض المسؤولين العراقيين على تكرار كلمة (أنا) عشرات المرات يوميا للتدليل على أهميته وهو يستعرض منجزاته التي لاتعد ولاتُحصى منذ أن مًن الله على العراق وأهله بتسلمه لتلك المسؤوليه مهما كان موقعه (الخطير جدا) بعيدا عن مصالح الناس وخدماتهم , ولاينسى طبعا ان يُدَلِل على أهميته بالقول (عندي) ليوحي بان مايقع ضمن منطقة مسؤوليته هو ملك خالص له , وحتى البشر من العاملين ضمن (مملكته) يتحدث عنهم وكأنهم (ملك يمينه) فالوزير (عنده مدراء عامين ومحاسبين ومديري إداره ...الخ) والمدير العام عنده (مدراء وموظفين) يتوزعون على طول وعرض هذه ألأرض المبتلاة بهذا الركام السَبِخْ من زَبَد البحار التي تلاطمت عند شطآننا جالبة لنا(الغث) بعد طول حلم ب(السمين) .
قد لايرى البعض في ذلك مثلبه , لكنه في حقيقته كشف للأنا المتضخمه التي تُعبر عن محتوى يتناقض تماما مع صفتي التواضع ودماثة الخلق وغيرهما من الموحيات فعلا بأن هذا الشخص قد وضِع في مكانه المناسب و (المرء مخبوء تحت لسانه) , ومما يُزيدُ (الطين بله ) إن الرجل حين يطلب لك قدح الشاي يأمر عامل مكتبه بلهجة فيها من الكبرياء والشعور بالعظمه ما فيها حتى يجعلك تخجل من نفسك إن كنت ممن يرفضون إمتهان كرامات الناس رغم أنهم بحاجة للشعب اكثر مما يحتاجهم بحسب ما يُعلن عن كوننا (دوله ديموقراطيه) وجميع (الكبار) في بلادنا من (ثِمار الصندوق الأنتخابي) .
أوجز صديقي العائد للتو من مقابلة أحد كبار المسؤولين في العاصمه مشاهداته في المكتب الوثير بأن كل ما شاهده (خفخاف) وهي مفرده عراقيه تدل فقدان التوازن والتركيز في صياغة الحديث , فتسمعه يتنقل من مواضيع شتى لغرض تضييع (راس الشليله) .
المرحوم (عزران الجسام) أحد المميزين بدقة الملاحظه والتوصيف , وهو رجل طاعن بالسن عركته الحياة وقلبته شتى المقالب , دخل هذا الشيخ على أحد المجالس , إستقبله البقوم بما يليق بسنه ومقامه , ابتدأ الرجل الحكيم حديثه الذي يروم به إصلاح (ذات البين) بين مُتخاصمًين , أصغى له الجميع وهو يختار مفرداته بعنايه , غير ان شابا يرتدي (بشت) جديد -{البشت هو عباءه صيفيه خفيفه تُحاك من الصوف وتُطرز حافتها العليا بالحرير أو الخيوط الذهبية اللون تدخل ضمن الزي الشعبي التراثي العراقي والخليجي وله مسمياة عده}- كان ينهض بين دقيقة وأخرى ليقطع المجلس طولا ثم يعود الى حيث يجلس دون ان ينبس ببنت شفه , كانت تحركاته تثير إنتباه الجلاس , وبما ان الرجل الحكيم يرغب بشد إنتباه الجلاس لحديثه فقد ازعجته حركات هذا الشاب وهو يتلفت يمينا ويسارا مُركزا بصره على الجزء العلوي من جسمه , سأل الشيخ من يجلس بمحاذاته عن أسم الشاب فأخبره إن أسمه (مصاول) ... وهنا قطع الشيخ الحكيم حديثه وتوجه نحو الشاب قائلا : (بويه مصاول بشتك جديد وكلنا شفناه ودرينا بيك توك لابسه لو تكعد بمكانك مثل الناس لو تنزعه وتخلينه نسولف) .
وسلامتكم
مقالات اخرى للكاتب