ليس بالكثير أن يعمل مجتمعنا العراقي - وسواه من المجتمعات النامية المتعطشة الى قوى الابداع والعطاء - على اطلاق الشرارة الاولى للتفوق الفكري والعلمي لدى افراده وان يحرص على التفجير الاكمل والأمثل لاحتياطي الذكاء والقابليات الكامنة في العقول .
ان حلم الاشخاص في أن يصبحوا عباقرة ومتفوقين غدت له مقوماته وأصوله وخاصة بعد ان ولى عصر - عسكرت المجتمع - وسقوط - جمهورية الخوف - وما علينا الا ان نبحث عن وسائل تحقق هذا الحلم الذي اصبح حقيقة بعد سقوط صنم ساحة الفردوس في نيسان 2003م .
ان طموحات المجتمعات في تكوين الافذاذ القادرين على دفع عجلة التقدم فيها يجد جذوره العميقة فيما تقدمه هذه المجتمعات من عناية بالأجيال الجديدة التي تحمل امكانيات الخصب والعطاء الكثيرة , وان طموحات مجتمعنا بحاجة الى قفزة سريعة في معارج التحديث ومراقي العلم والتكنولوجيا يجد مظلته ومتكآه في ان يبدأ من حيث ينبغي ان يبدأ وفي ان تعطى السنوات الاولى من العمر حق قدرها وان تدرك انها التربية الاساسية لتنمية طاقات الخلق والإبداع وتكوين الاتجاهات العلمية والتكنولوجية اللازمة لدخول العصر.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف نصل الى مصاف الدول المتطورة ونحن في سبات نائمون ... مرة تحت حكم دكتاتورية الحزب والفكر الواحد الذي قاده قائد العراق والأمة العربية ورئيسها الاوحد .. ومرة تحت قيم دينية موروثة من هفوات تاريخ العرب والمسلمين في العصر الاموي والعباسي وأخرى عادات وتقاليد وأفكار من عمقنا الصحراوي الموغل بالقدم وعصره الجاهلي حيث العصبية القبلية والعادات الجاهلية المبنية على شعار( انصر اخاك ظالما او مظلوما ) كما يفهمها الجاهلون ممن يرتدون الزي العربي كما يسمونه .
ولا شك ان الطريق الى المعاصرة والحداثة باعتبارها ظاهرة تاريخية تتطلب الانتقال من التخلف الريفي وقيمه البالية الى التطور العلمي الحديث , لا سيما ان العراق معروف بتنوعه الديني والمذهبي والقومي والجغرافي وهذا لن يتم بدون ثورة ثقافية متكاملة الوجوه تحطم المجتمع القديم وتبني مجتمع جديد , تخلصنا من البيروقراطية المتأتية من رواسب وأفكار وثقافة المجتمع البائدة , تطهر الجهاز الحكومي من الفاسدين سارقي قُوة الشعب ومصاصي دمائه , تغير المناهج الدراسية والكتب والمطبوعات والإعلام المرئي والمسموع الذي اصبح في عصر العولمة ساحة حرب مفتوح يتقاتل فيها الجميع على مصالحهم الفئوية , هذه الثورة يجب ان لا تخلق فواصل كبيرة ومعادية بين مكونات الشعب , وتؤسس نموذج راقي للثقافة العراقية المقبولة من قبل الجميع .. لا سيما ان بعض الجهلة والمتخلفين اليوم يسودون المجتمع العراقي اغلبهم مالكي نفوذ سياسي وحاكمين وأمراء قبائل ووجهاء ورجال دين اصوليين , قد يشهرون اسلحتهم البالية والجديدة بوجوه مثقفيه ويعطون لأنفسهم الصلاحيات القانونية والشرعية لمحاربة الافكار الحديثة المتنورة كجزء من الصراع التاريخي بين الحداثة والأفكار الموروثة من عفن التاريخ , حتى ( الكوميديا الآلهية) المؤلفة من مائة انشودة وأربعة عشر الف بيت التي نسمعها اليوم من اصحاب العقول الضحلة فقدت مضمونها الاجتماعي والسياسي والفلسفي بعد ان تبنى اصحابها ( الكوميديا البشرية ) الغارقة بالبكاء والعويل على الماضي البعيد المليء بالحروب والحصارات وتغييب الاخرين
مقالات اخرى للكاتب