قبل عام واحد فقط كان النفط ملك الساحة والميدان ، بضاعة لا منافس لها ولا احد يجرؤ على الاحتكاك به ، فهو البنزين الملتهب الذي تبحث عنه الشركات والمعامل واصحاب السيارات في بلدان الشرق والغرب .. ولم يكن يهبط سعره في اسوأ الاحوال عن المائة دولار للبرميل الواحد ، مائة دولار بالتمام والكمال ، فاذا قمنا بعملية حسابية بسيطة للاموال التي تحصل عليها دولة نفطية عربية تنتج وتبيع يوميا عشرة ملايين برميل من النفط ، حينذاك سنعرف ماذا تعني المائة دولار سعرا للبرميل الواحد .
اليوم هبط سعر برميل النفط الى اقل من خمسين دولارا للبرميل الواحد ، اي اقل من نصف سعره السابق ، وهو مستمر على الهبوط حسب مؤشرات العالم الموثوقة .
فاذا اخذنا بالاعتبار ان الفصل الحالي الذي هبطت فيه اسعار النفط الى دون النصف هو فصل الشتاء ، وفي هذا الفصل البارد يكون الطلب على الوقود والطاقة على اشده ، لما تحتاجه اوربا من نفط وغاز وكهرباء ووقود ، علمنا ان الحاجة لم تعد كما كانت في السابق ، فقد عوضت الدول المتقدمة عن حاجتها الى الوقود بطرق شتى ، منها استخدام الطاقة النظيفة ، مثل الكهرباء الذي تنتجه المراوح الهوائية ، فبلد مثل الدنمرك تجد المراوح الهوائية التي تنتج الكهرباء في كل مكان فيه ، حتى في البحر حين تعبر الجسر الواصل بين عاصمتها كوبنهاغن ومدينة مالمو السويدية – يربطهما جسر طوله حوالي 20 كم – تجد المراوح الهوائية شاخصة في البحر ترفع هاماتها الى علو سامق وكأنها ابراج هامان .
كذلك زادت المعامل الالمانية والهولندية والسويدية وغيرها من الدول الاوربية انتاج الالواح الشمسية التي تنتج الكهرباء و تعتمد على الطاقة الشمسية ، اضافة الى مصادر اخرى مثل المفاعلات النووية التي نجهل بالضبط كمية انتاجها للطاقة لان اغلبها تعمل بسرية كبيرة لا تتاح معرفة سعة انتاجها الا للراسخين في العلم ، ونحن لا في عير العلم ولا في نفيره ... افضل خريج جامعة لدينا لايستطيع اللعب بالكومبيوتر لعبة شطرنج .
وجاءت داهية الدواهي التي تسمى النفط الصخري الامريكي لكي تقلل من اعتماد امريكا على الانتاج النفطي العالمي ، زد على ذلك اهداف سياسية اخرى نعرف شيئا منها والكثير منها لا نعرفه ولا يعرفه ساستنا الذين يرسمون سياسة بلداننا بالطباشير على طريقة دائرة الطباشير القوقازية ، بينما العالم يرسم سياسته بواسطة الكومبيوترات المتطورة التي تزيد سعة برامجها على جميع ما نملك من مكتبات سواء في وزارة التخطيط او مكتبات عامة تعد على اصابع اليد .
كل هذه المؤشرات تدل على ان الصيف القادم سيسهم في تخفيض اسعار النفط بشكل مأساوي ، اي ان النفط سيهبط ويهبط ويواصل الهبوط حتى نغرق .. نغرق على حد قول الراحل عبد الحليم حافظ ، اي ربما سيصل سعره الى عشرين دولارا للبرميل الواحد .. وحينذاك لا ادري اين سيندب المسؤول عن الميزانية حظه ، ايذهب الى الفتاح فال ليقرأ له حظه الاسود ؟ ام يذهب الى بئر النفط ليذرف الدموع فوق فوهته ويضع شيئا من القير فوق جبهته علامة على الحزن والاسى ؟ ام يذهب الى بيت المال فينهب ما فيه من فضله ويهرب بجلده الى بلد الواق واق فيعيش بسعادة وهناء !
مقالات اخرى للكاتب