تَأملنا خيرا بما تردد عن إعلام الرئاسات: الجمهورية، والوزراء، والنواب وخاطبناها من هذا المنبر.. وقلنا إن الكتاب والصحفيين في حالة مزرية في بعض الصحف.. وتطرقنا إلى تمويلات الأحزاب والجهات المتعددة لها وان الدولة تسرق علنا عبر الصحف من خلال باب الإعلان لقاء عمولات وصفقات بين الوزارات وتلك الصحف بصرف النظر عن جدوى الإعلانات المنشورة في صحف لا تقرأ، بينما تصد هذه الوزارات عن الصحف الكبيرة والناجحة والمقروءة ما دامت لا تدفع العمولات مقابل المليارات من الدنانير... والمفارقة أن هذه الثروات التي تتدفق على بعض الصحف لا تصل منها للكتاب والصحفيين حتى ما يعادل الصدقات للشحاذين... ويمكن لإعلام أجنبي أن يثير ضجة مدوية إذا ما تعرض لعموم الصحفيين والكتاب العراقيين، وسيهز ضمير المجتمعات الإنسانية وغضب واستياء مثقفيه على حال أسماء كبيرة ومبدعة وبتأريخ يؤهلها للشرف العالمي وهي مرمية ومهملة وقد لا يجيد بعض الساسة تلفظ أسمائها ولا يعرفون ميادين إبداعها.. وذاك الاسم الصحفي الذي يطلب الشارع الأوربي من نصف كفاءته وموهبته التقرب إليه وتوقيعه فانه في دولة رؤساء تحرير ما بعد الاحتلال فان المسؤولين يتواضعون ويعطفون إذ يتحدثون إليهم.. والأدهى والأمر فان لأجورهم حكاياتها.. هذا.. برغم التمويلات الخارجية والداخلية...
تعددت الجهات والعناوين والأطراف التي انبرت في الدفاع عن الصحافة والصحفيين إلا أننا، وبحدود اطلاعنا، لم تمتد يد واحدة، أية يد، لأي صحفي بحجم فلان.. ولذلك توجهت الأنظار إلى إعلام الرئاسات، ولأكثر من اعتبار، لإنقاذ الإعلام، كفعالية وطنية ووظيفة خلاقة وكسلطة تتقدم في عالم اليوم على غيرها.. ثم.. لإنقاذ الصحفي ذاته وليأخذ اعتباره ومنزلته واستحقاقه الأدبي والمادي.. وإنهاء المهزلة العامة ومنها مهزلة الإعلام.. فإعلام البلد يسجل مع المناحي والجوانب الفاسدة الأخرى رقمه القياسي بما هو به.. ولم يقصده ولم يعنِ به احد حتى من المنتفعين من خدماته في صنع النجومية وتلميع اسم السياسي، فربما لعدم وجود من سمع بالإعلام وبالشخصية الجماهيرية وبأهمية الثقافة.. ولم يطلع حتى المدعي والمتظاهر بحبه للمثقفين والمبدعين ويتملق بهم الحضارة والتاريخ والواقع...
مع ذلك، لاعتبارات كثيرة، نتمنى على إعلام الرئاسات أن يساعد في دراسة هذا الميدان وتسجيل ولادته.. ولا أسهل من ذلك إذا كان ظننا في مكانه...
ولكن ظننا يسجل مفارقة، ولا أن نعترف بذلك، فمن يحملون البنادق وينتظمون في عصابات، غير من يحملون الأقلام وينتظمون بالعناوين المدنية وهؤلاء حصتهم ونصيبهم الفاقة وقلة الشأن.. وهذا جماع أسباب وعوامل تقييد وشل الصحافة.. ولذلك لا معنى للاحتجاج على اعتداء وإهانة رجل الأمن للإعلامي ما دام سيده لا يستطيع أن يراه باحترام... ويستكثر أن يرمي له ما يرمى للشحاذ.
مقالات اخرى للكاتب