السيد الوزير: سلامٌ عليكم
تحتفي جامعة البصرة اليوم بيوبيلها الفضي المجيد بعد خمسين عاماً من العطاء العلمي المشهود، فتلاميذها بالملايين، وعلماؤها بالألوف. ولابد من أن أضع أمام سيادتكم اليوم شيئاً من ذلك الجانب المظلم الذي يقوض أسس الجامعة، ويحولها إلى خربة عاماً بعد عام، ومن حق العراقيين علينا أن ينظروا فيه، ذلك أن جامعة البصرة هي جامعة كل العراقيين، وجامعة كل العرب.
والحكاية بسيطة جداً، وملخصها أني تقدمت ببحوثي لغرض الترقية العلمية، وحينما إكتمل الأمر وكادت الترقية أن تصبح قانوناً، وجد أصحاب الرأي في الكلية أن السيد العميد، حفظه الله وبيّاه، قد أمر رئيس القسم في حينه بأن يجعل تقييمي قبل ثلاث سنين ضعيفاً، وحينما رفض رئيس القسم ذلك لم يجد سيادته من بدٍّ غير أن يغير بإرادته العليا ذلك التقييم سرّاً. ومعنى هذا أن هذا الاستاذ قد جُنّ بعد ثلاثين سنة من العطاء، فقفز في ذلك العام حصراً من مدينة العلم، وهي الكلية، وألقي بنفسه في بئر الجهالة، فكان يلاعب تلاميذه النرد. وأن هذا العميد قد خاف على سمعة الأستاذ من الغي، فحفظ الأمر سرّاً في طي الكتمان.
وهذه ليست القصة الوحيدة، فالأستاذ الجليل الدكتور رمضان مهلهل سدخان، وبعد سبع سنين من تقديمه معاملة الترقية إلى الاستاذية، يطلب منه الآن التقدم ببحوث تعزيزية أخرى وبدء المعاملة من جديد، أي عاد إلى درجة الصفر، ولا ندري لماذا لم تطلب منه الكلية ذلك قبل ثلاث سنين، أو أربع، أو خمس مثلاً؟ والأنكى ما جرى للأستاذ الفاضل علاء من قسم التأريخ الذي زوّرت نتائج مقوميه العلميين جهراً لمنع ترقيته، ثم أفتضح الأمر ونال الرجل حقه بالألم.
غير أن الأمر كشف، ولم أجد من المسؤولين غير المماطلة، والتسويف، والأكاذيب. طلبٌ إلى السيدين عميد الكلية، والمفتش العام في الجامعة بفتح التحقيق، لكنهما يهملان. ثم طلبٌ آخر بعد شهرين أن إفتحوا التحقيق. هنا يلاحظ السيد العميد بأن تسع نقاطٍ قد رفعت عمداً من إستمارة التقييم تلك، فيأمر بتشكيل "لجنة تدقيقية"، على إثرها تقام اللجنة التحقيقية مستقبلاً، ولمَ العجلة على أية حال؟ وهذا أمر مبتكر، إذ لا بد من لي ذراع الحقيقة. لكني لم أر من التدقيقية بعد شهرين غير رجل واحد، مرة واحدة ليس غير، ولم يظهر منها شيء حتى اليوم، وكأنها تدقق في رسائل واردة من كوكبٍ آخر. والحقيقة أننا لا نعول كثيراً على "اللجان"، لكني مازلت أنظر إلى ما قد يقوم به المفتش العام الذي يبدو أنه لم يبادر فيخطو بجدية في التحقيق ليخرجنا من نار الجهالة إلى نور العقل والحقيقة، وإلاّ صار الحال فوضى. أنا لا أهتم كثيراً للدرجات، فقد أعطيت من علمي بلا مقابل. لكن طلبي مازال واضحاً وأكيداً منذ البداية، وهو:
كيف، ولماذا، ومتى تم التزوير؟
السيد الوزير:
ما حدث يحدث حتى في أرقى البلدان، وهذه طبيعة النفوس، لكن لابد للقضاء العادل من أن يأخذ دوره التأريخي المعروف، وإلاّ أصبحت الجامعة داراً للجرذان، تقرض أسسها وكتبها وعلومها، وتحولها إلى دار الخراب. فالتستر على الجرم جريمة أخرى بحق هذا الشعب العريق، وهذه المدينة التي أرض العلم والعلماء منذ أن وجدت على الخريطة.
إسمحوا لي سيادتكم أن أعطي مثالاً بسيطاً من تأريخ هذه الجامعة العريقة حينما كانت نواةً صغيرة بعد أربع سنين من تأسيسها، وكنت شاهداً عليه. فقد جاءت الشرطة يوماً بالطالب عباس مشتت مقيداً، مقهوراً من قصر النهاية إلى قاعة الإمتحان، وحينما ظهرت النتائج كان ترتيب الطالب الأول في كلية الحقوق. ولنا العبرة فيه، فقد إنتصرت له الجامعة في سعيه. ذلك زمنٌ لا ككل الأزمان.
السيد الوزير:
تلك هي القضية أمامكم، ولكم الرأي والتقدير.
والسلام عليكم.
كلية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية، جامعة البصرة
نسخة منه إلى السيد المفتش العام في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي: مذكراتي المرفوعة لسيادتكم في 5/1/2014، 2/2/2014، 17/2/2014، و5/3/2014
مقالات اخرى للكاتب