1
بدأت الدعاية الانتخابية مبكرةً هذه السنة ، ليس بباب الوعود وفرش الورود والبسط الحمر ، بل حتى في مطاحن التسقيط بين الأفراد والجماعات والأحزاب والتيارات التي تقود المشهد السياسي من المحمية الخضراء ببغداد المريضة .التسقيط السياسي والأخلاقي وحتى الديني ، لم يعد أمراً مهماً ، سيترك تأثيره على صناديق الاقتراع القادمة ، وذلك لأن الخصوم كلّهم مخلوقون ومصنوعون من طينة شيطانية واحدة ، وبرعاية مشتركة من مطبخ الشرّ والعهر الأمريكي الإيراني . اذا قال واحد منهم للثاني أنت حرامي وتحت يميني ما يدينك ويدخلك السجن ، سيردّ عليه الثاني ضاحكاً من باب أنهم كلهم في السرقة والخيانة والسمسرة يعيشون ويأكلون ويتلذذون في مركب واحد .
2
قبل اختراع الفيسبوك والتويتر وإخوتهم بالرضاعة ، كنا نحضر مجلس عزاء واحد بعض سنة أو أزيد ، ونعود مريضاً صديقاً بمشفى كل شهر مثلاً ، أما الآن فلحظة انفتحت شاشة الكومبيوتر أمامك ، سيصفعكَ خبر رحيل موجع ، أو صورة صاحبٍ لك وقد نام على سرير شفاء أو موت بارد وموحش . ثم أن بعض الناس صارت تلطش صورها وأوضاعها التي تطالبك بالتعزية أو التهنئة أو اللايك ، حتى لو كان الأمر يتعلق بنشلة خشم أحمر ، أو نجاح الحفيد في امتحان التغذية بروضة نحن الأطفال الجميلة . وضع اجتماعي مريض جداً .
3
في الدولة المدنية المتحضرة المتطورة القوية ، ثمة وظيفتان فائضتان عن حاجة الرعية الآن ، هما شيخ الدين السياسي التجاري ومراجعه « العظام « وشيخ العشيرة التاجر الرادح في كل زمان ومكان . عبادة الله وتفسير الدين السهل لا تحتاج الى واسطة ومفسّرين ، وسلطة القانون والأمن الاجتماعي ، لا تحتاج الى شيخ عشيرة . على رجل الدين أن يجلس في مسجده ويؤذن ويقرأ القرآن فقط ، وعلى شيخ العشيرة أن يقعد في مضيفه ويسولف مع ضيوفه ، ويطبّق القانون خارج مأساة « الفَصِل والفِصلية « البريئة .
4
في باب المواساة والأداء الاجتماعي الحديث ، ستدخل يوماً خيمة عزاء بوجهٍ حزين ، ودمعة تلبط بطرف العين . تسلّم فيردّ عليك ربع الجالسين ، ويتجاهلك الآخرون المنشغلون بهواتفهم الملونة على آخر موديل . سيستعجلون ويخبزون قراءة سورة الفاتحة ، ثم يعودون الى شاشاتهم المدهشة ، وقد ينطّ واحدٌ شرسٌ منهم فيصير خارج الخيمة ، وقبل أن يذهب بالك ويتمعمع بتفسيرات حائرة ، سيتبرع الكائن الذي على يمينك ، فيخبرك بأنّ هذا الذي طفر من بطن الخيمة ، انما يبحث عن بوكيمون كان محشوراً تحت كرسيك قبل قليل ، كي يصطاده مثلما اصطاد عزرائيل صاحبنا الميت الذي نجلس بمأتمه الآن
مقالات اخرى للكاتب