استيقظت من نومي فجرا” فزعا” والعرق يتصبب من جسدي بغزارة وقد اطلقت صرخات وهمهمات غير مفهومة دالة على تعرضي لكابوس ثقيل , فقد كان حلما مرعبا جعلني اقسم بالايمان المغلظة بان ابتعد عن السياسة والتحرش بالسياسيين وان اعيش حياتي على بساطتها اكلا” ونوما” والنظر لما يحدث من بعيد دون ان يكون لي دور في التصحيح او التغيير او النقد او تحمل المسؤوليات …
ان حلمي لم يتعد الخطوط الحمر كما كنت اظن واعتقد وهو حق شخصي مكفول بالقانون ما دام لا يتعدى على حقوق الاخرين حلمت اني صرت وزيرا” للثقافة العراقية وفرحت لذلك وكان شعورا” جميلا” الجلوس على كرسي الوزير والاصوات من حولي تنادي ( شبيك لبيك .. الوزارة بين يديك ) فقلت مع نفسي انها الفرصة التي انتظرها لانهاض الثقافة من كبوتها وان اعطي الوصفات الناجحة لعلاج مفاصل الوزارة وفقرات مناهجها لتعود بغداد قبلة العالم المثقف وعنوانا لحضارة وادي الرافدين …
امسكت بورقة بيضاء ورحت اسجل عليها الخطوط العامة لبناء وزارة الثقافة على اسس رصينة ومفاهيم متقدمة فابتدأت بتبديل حاشية الوزارة من المنتفعين واصحاب المحاصصة من وكلاء ومديرين عامين واستشاريين مفروضين من كتل واحزاب العراق الجديد ورحت ابحث بين المثقفين والادباء والفنانين والصحفيين من هم بمستوى القيادة والافق الفكري المتفتح لتــــــــسلم المسؤوليات العليا بالوزارة ومطالبتهم بدراسات سريعة قابلة للتطبيق للحـــاق بالركب الثقافي والتقدم الى امام بخطوات واضحة وغير متلكئة …
لقد مللنا من التنظير الفارغ والجلسات التي تدور في حلقات مفرغة والحال باق على ما هو عليه فالتغني بامجاد الماضي ما عاد نافعا وحركة الفكر والادب والثقافة في تراجع مستمر والوزارة تستثمر ايراداتها المالية رواتب وسفرات ترفيهية للمسؤولين وفي مصاريف الضيافة وتاثيث المكاتب ومكافآت الحراس الامنيين والسيارات المدرعة بينما الكفاءات الموسيقية والشعرية والتاليف وحتى حلقات التثقيف صارت بمجهود الافراد ومن اموالهم الخاصة وفي بيوت المثقفين من دون ان تكون الوزارة بيتا كبيرا لـــكل هؤلاء من مثقفين ادباء وفنانين …
قررت فيما قررت بصفتي وزيرا للثقافة اقالة وكلاء الوزارة والمديرين العامين وابلغت كتلهم واحزابهم بالامر الوزاري واصدرت امرا وزاريا بتعيين البدائل من رجال الفكر والادب والفن المعروفين وانتدبت من الاكاديميين الجامعيين اساتذة استشاريين لي بالوزارة .. وامرت باحياء قصور الثقافة وتمويلها باحتياجها من التاثيث والرعاية . والتفت الى المطابع فاوعزت بتهيئة البنايات ومدها باجهزة الطبع الحديثة وتعيين الملاك الفني المتخصص لها … وانا في حماستي وتصميمي للتنفيذ فوجئت برجال ملثمين يقتحمون علي خلوتي في مكتبي شاهرين هراواتهم في وجهي ومطالبتي بالخروج من الوزارة وان الوزارات قطع من كيكة لا حصة لي فيها … فكان التهديد شديدا بالضرب المبرح ورجوتهم المغادرة بكرامتي الا انهم كانت عيونهم تقدح شررا وقبضاتهم شديدة وركلاتهم موجعة لم ينفع معها استجداء عطف ولا التوسل بالدين والمذهب ولم يتركوني الا بعد ان استيقظت من حلمي والعرق يتصبب من جسدي الذي ظننته دما …
مقالات اخرى للكاتب