كانت افكار عالم الاقتصاد الامريكي (ميلتون فريدمان) هي ما اعتمدت عليه ادارتا رونالد ريغان في الولايات المتحدة ومارغريت تاتشر في بريطانيا حيث كان الرجل هو المستشار لكليهما. وكانت نـــــظرية
( Economics Trickle Down) او ما اصطلح على تسميتها ( بنظرية الانسياب ) كما بشر به فريدمان ( الذي استهزأ بالمبدأ الاقتصادي المنسوب الى عالم الاقتصاد البريطاني (جون مايناردكينز) الذي يعتمد على تحفيز الاقتصاد من خلال الاستثمار الحكومي الذي يعتمد بدوره على زيادة الضرائب، حيث جاء فريدمان بالنظرية التي تقول بان خفض الضرائب سيتيح لاصحاب الاموال اعادة استثمار فائض اموالهم الذي يتحقق من هذا التخفيض في مشاريع جديدة وينتعش الاقتصاد لتنساب المنافع الى كافة طبقات المجتمع. والواقع فان هذه السياسة اتاحت مدخولاً اكبر للاغنياء ذهبوا به الى ملاذات آمنة خارج امريكا أو بريطانيا ولم يساهم في انعاش الاقتصاد.(وسارع اصحاب الاموال ذاتهم الى خلق عالم من التميز لهم وحدهم دون سواهم. تبدأ بقطعة الشكولاته وزن 50 غرام لتبلغ قيمتها 260 دولار تدرجاً الى مصنع باتيك فيليب السويسري للساعات الذي وجد أن من المناسب طرح ساعة لهذه الفئة من الاغنياء بسعر 5,25 مليون دولار ويباع منها المئات سنوياً) وأشياء اخرى من السفر بالدرجة الاولى الى الفنادق والمطاعم فاحشة الكلفة. وفي دراسة صندوق النقد الدولي لتشخيص اسباب تفاوت المداخيل ذكر منها: التطورات التكنلوجية وخاصة تكنلوجيا المعلومات التي رفعت فروقات مهارة اتقانها.
عولمة التجارة اتاحت لرؤوس الاموال الاستثمار في الاقتصاديات الناشئة بربحية اكثر بعيداً عن تأثير نقابات العمال.
عولمة التحويلات المالية التي سهلت انتقال رأس المال وارباحه عبر الحدود.
سهولة حصول الاغنياء على التمويل مما ساعد على مضاعفة ثرواتهم.
تضاؤل دول نقابات العمال مما وسع فجوة الفرق بين العامل الماهر تكنلوجيا والعامل الاقل مهارة.
تناقص الضرائب التصاعدية في الاقتصادات المتقدمة (في حالة امريكا من 59% العام 1980 الى 30% العام 2003).
واستمر المفكرون في طرح رؤاهم والتي لم تصل تأثيراتها الى حدود بعيدة، خاصة وان تركيز الثروة يولد تركيزاً للقوة السياسية التي بيدها مفاتيح التشريع للقوانين التي يمكن ان تحد من طغيان تراكم الثروات وتمنع العودة الى فرض القيود التي تراخت قبضة السلطات عنها في العام 1980.
ويشير البحث الى قول (جوزيف ستلغيتز) الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد في كتابه (Inequality of Price The) “اننا ندفع ثمناً كبيراً للتفاوت في الدخول الذي تزداد الندب التي يخلفها على اقتصادنا وتشمل انخفاضاً في الانتاجية والكفاءة وتعثراً في النمو الاقتصادي”، واكد على ان الاقتصاد الامريكي انما يزدهر وينمو نتيجة زيادة الاستهلاك مستفيداً من دخل العائلة الفقيرة بالمقدار الذي سيصرف معظمه بقدرات اعلى كثيراً من زيادته بنفس المقدار لعائلة غنية مكتفية اصلاً وليست بحاجة الى ان تصرف منه على الحاجات الاستهلاكية.
ويخلص الباحث الصديق المهندس صباح صديق الدملوجي الى ما توصلت اليه الدراسة التي اعدتها مؤسسة اوكسفام التي مولها تجمع دافوس والتي تقترح على اعضاء التجمع توصيات للتغلب على حالة التفاوت المتعاظم في الدخول وتوزيع الثروة، ببرامج منها:
الكف عن التملص الضريبي وعدم اللجوء الى الملاذات الامنة للتخلص من الضرائب. الكف عن استخدام قواهم المالية للاستحواذ على القرار السياسي بما يقوض الحقوق الديمقراطية لمواطنيهم من غير الاغنياء.
اعتماد الشفافية فيما يخص الاستثمارات في الشركات والمؤسسات المالية التي تعود ارباحها اليهم في النهاية.
دعم مبدأ الضرائب التصاعدية في اوطانهم.
تحريض حكوماتهم لاستثمار المردود الضريبي في توفير الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والدراسة بكافة مراحلها مجاناً لجميع الشرائح الاجتماعية.
توفير اجور مجزية للمعيشة للعاملين في الشركات التي يمتلكونها.
ويتساءل الباحث:
“هل سيستفيق العالم الى الوضع المقلق السائد وتدرك طبقة الاغنياء الفائقين الذين يمسكون بزمام الامور في عالمنا اليوم بخطورة هذا الوضع؟ ان لجوء هذه الطبقة التي نستطيع ان نقول ان تجمع دافوس يمثلها الى حد ما الى مؤسسة محايدة علمية مثل اكسفام لدراسة الوضع واقتراح الحلول هو بادرة خير. الا ان تحقق التزام هذه الكيانات التي تتحكم برقبة المال والصناعة في العالم بهذه التـــوصيات امر اخر”.
مقالات اخرى للكاتب