يوما بعد تقل و تنفد مؤشرات احتياطي إمكانية العيش المشترك و الطوعي بين المكونات العراقية ، بسبب الشعور المتزايد بالمظلومية و الإقصاء و التهميش من قبل معظم الأطراف ،وما يرافق ذلك من أعمال قتل و مجازر وتخريب و دمار ، إذ فما من مكوّن عراقي يخلو من هذا الشعور و الإحساس ، و لكن الأخطر من كل هذا و الأسوأ ، هو تحميل هذا الطرف غيره من أطراف أخرى مسئولية هذه المظلومية ، و وما يترتب على ذلك من اهتزاز في المشاعر و أحاسيس لهذا المكوّن أو ذاك ، زائدا احتقان نفسي و بغض جماعي نحو بعضهم بعضا ، مستوطنا في القلوب المهتاجة و الملتاعة على حساب تقهقر و تزعزع الشعور بالانتماء الوطني و السعي إلى الخروج من خيمة العيش المشترك نحو العزلة المذهبية أو الأقلوية المتقوقعة على ذاتها فحسب و ضمن بقاع و مناطق عرقية و طائفية لتكون مغلقة على ذاتها .. سيما ................... بعد الخيبة و الخذلان و الإحباط الذي أفرزته سنوات الفشل السياسي الذريع ، ما بعد مرحلة السقوط ، و التي عصفت و ضجت بالاحتراب الأهلي و المذابح و المجازر الجماعية المتواصلة و تعثر عمليات البناء و التعمير و سوء الخدمات الضرورية .. و فوق ذلك فقد أفلح فرسان المحاصصة الطائفية في تحويل فشلهم و فسادهم و إجرامهم السياسي إلى عداوات و خصومات وتباغض و كراهية ، انعكست سلبيا على التعايش السلمي بين هذه المكوّنات ذاتها أو مزفته شر تمزيق حتى يبدو و كأن هذا العيش المشترك تحت خيمة وطن واحد بات ضربا من الوهم . وانطلاقا من كل هذا ، فيمكن القول أن ما يسمى الآن بالعيش المشترك بين المكونات العراقية هو أشبه بالمعاشرة القسرية بين زوجين تدهورت علاقتهما الزوجية و انتهت على نحو لا يمكن إصلاحها أو علاجها إلا بالطلاق أو الانفصال .. أما التشدق الممل بتماسك اللحمة الوطنية وغير ذلك من عبارات من هذا القبيل ، فهولا يعدو كونه مجرد هروب من هذا الواقع الخطير لعدم مواجهته كما هو و بكل مهازله و مآسيه والتفكير بإيجاد حلول مناسبة لها .. و خاصة أن هذه الأزمات و المشاكل بدأت تأخذ بعدا جديدا ، إذ أن المسألة لم تعد تتعلق الآن بمطالب " جماهيرية " مثل تحسين المعيشة وتقديم الخدمات الجيدة و النوعية العصرية أو التسريع بعمليات الأعمار ، لا ، و أنما أخذت تتعلق بمسألة التأكيد على الهوية المذهبية أو العرقية و استقلاليتها الكاملة ، ربما بهيئة سلطة و مؤسسات مستقلة ،أو على شكل دويلة ،لتكون بديلا عن الدولة و الوطن الحاليين ، في بقعة مستقلة و قائمة بحد ذاتها ، و بعيدا عن الخصوم المذهبين و تدخلاتهم و أملاءاتهم وهيمنتهم وسلطاتهم المرفوضة أصلا !!.. و هكذا نجد بأن العيش المشترك المزعوم بين غالبية المكوّنات العراقية باتت أشبه بمعاشرة زوجية قسرية و إجبارية بحكم ظروف قاهرة و طاغية ، ولكنها مهددة بالطلاق أو الانفصال في أية فرصة سانحة أو ظروف متاحة .. و ربما قد تجري عملية تحقيق ذلك عن طريق أعمال العنف أيضا .. و بما أننا نحن العراقيين مولعين ومغرمين بالعنف ، فمن المحتمل أن عملية هذا الانفصال ستتم بالعنف وعلى الطريقة العراقية المعتادة .. و إذا كان لابد من انفصال حتمي فلماذا اللجوء إلى أعمال عنف وسفح دماء ؟!.. مع الإدراك للحقيقة المريرة و المتجسدة في : كون ساسة و زعماء العراق المتنفذين حاليين ليست لديهم حلول لمشاكل العراق الراهنة ، ولا أنهم يسعون إلى ذلك ، لكونهم ليسوا برجال دولة ولا أنصاف ذلك ، ولأنهم كذلك ، فهم لا يستطيعون إلا تأجيج وتوتير الأوضاع و تعقيد هذه المشاكل و الأزمات و تصعيدها دوما باتجاه حدوث مفاجأة كارثية لتنتهي كحل وحيد : أي بالتقسيم أو الانفصال . من بغداد النازفة كوريد البحار ..
مقالات اخرى للكاتب