في أعقاب حرب الخليج عام 1991، سحب صدام حسين قواته وإدارته من أجزاء من إقليم كوردستان. وفي مواجهة الفراغ الإداري والحصار المزدوج، نظمت الجبهة الكوردستانية، وهي تحالف من جماعات سياسية معارضة لدكتاتورية البعث، انتخابات عامة. وكان الهدف إقامة إدارة وتحقيق رغبة السكان القوية في اختيار ممثليهم.
وكانت انتخابات 19 أيار/ مايو 1992 أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ العراق. وكان إقبال الناخبين عاليا جدا، واعتبرت الانتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية من قبل المراقبين الدوليين. وأصبح بإمكان الشعب في كوردستان اختيار ممثليه، بعد عقود من الدكتاتورية.
وأدت تلك الانتخابات الإقليمية إلى تشكيل أول مجلس وطني كوردستاني (أصبح اسمه لاحقا البرلمان الكوردستاني) وإلى إقامة حكومة إقليم كردستان. وقررت قيادة إقليم كردستان وشعبه البقاء جزءا من العراق، واعتماد جميع القوانين الوطنية والالتزام بها باستثناء القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان والحقوق العامة.
هذه المقدمة حقيقة اقتطعتها من صفحة حكومة إقليم كردستان العراق في الإنترنت ووجدت أنها المدخل السليم لموضوع اليوم عن دستور الإقليم والذي هو حق منحه الدستور العراقي الاتحادي للأقاليم حيث ورد ذلك في الباب الخامس الفصل الأول
المادة (116)يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمةٍ واقاليم ومحافظاتٍ لا مركزيةٍ واداراتٍ محلية.
المادة (117) :
اولاً :ـ يقر هذا الدستور، عند نفاذه، اقليم كردستان وسلطاته القائمة، اقليماً اتحادياً.
ثانياً :ـ يقر هذا الدستور، الاقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لاحكامه.
كما نصت المادة 120 من الدستور الاتحادي
(يقوم الاقليم بوضع دستورٍ له، يحدد هيكل سلطات الاقليم، وصلاحياته، وآليات ممارسة تلك الصلاحيات، على ان لا يتعارض مع هذا الدستور).
المادة ( 121 ) :
اولاً :ـ لسلطات الاقاليم، الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفقاً لاحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصاتٍ حصرية للسلطات الاتحادية.
ثانياً :ـ يحق لسلطة الاقليم، تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الاقليم، في حالة وجود تناقض او تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الاقليم، بخصوص مسألةٍ لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية.
ثالثاً :ـ تخصص للاقاليم والمحافظات حصةٌ عادلة من الايرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الاخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها.
رابعاً :ـ تؤسس مكاتبٌ للاقاليم والمحافظات في السفارات والبعثات الدبلوماسية، لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية.
خامسا:ـ تختص حكومة الاقليم بكل ما تتطلبه ادارة الاقليم، وبوجهٍ خاص انشاء وتنظيم قوى الامن الداخلي للاقليم، كالشرطة والامن وحرس الاقليم.
وهنا نجد النص واضح في الدستور الاتحادي ان من حق الأقاليم التي تتشكل بموجب هذا الدستور ان تضع دساتير خاصة بها شريطة ألا تتعارض مع الدستور الاتحادي ، وهنا المشرع وضع هذا الشرط أساسا لقيام الإقليم ووضعه دستورا خاصا به.
وفي نظرة سريعة نجد ان للإقليم كانت إدارتان حيث كانت هناك إدارة في السليمانية تدار من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني، في حين كان الحزب الديمقراطي الكردستاني مسؤولا عن إدارة أربيل ودهوك. وتماشياَ مع رغبات شعب كردستان والاحزاب السياسية في الإقليم توصل الحزبان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلى اتفاقية تأريخية لتوحيد أدارتي حكومة أقليم كردستان وذلك يوم 21/1/2006
وخلال الفترة التي أعقبت سقوط النظام البائد في عام 2003 الى الآن تشكلت حكومتان بدورتين انتخابيتين مدة كل واحدة 4 سنوات ووفق القانون الانتخابي المعمول به في الإقليم منذ عام 1992 ، حيث تشكلت الأولى لاقليم كردستان الموحد و أُعلنت رئاسة إقليم كوردستان كمؤسسة من قبل برلمان كوردستان في عام 2005 وقد انتخب الرئيس الحالي، السيد مسعود بارزاني، كأول رئيس لإقليم كوردستان في 31 كانون الثاني/ يناير 2005 من قبل البرلمان الكوردستاني، وأعيد انتخابه بالاقتراع السري من قبل الشعب في الاقليم في تموز/ يوليو 2009 بعد حصوله على 70 بالمئة من الأصوات ونائب الرئيس هو السيد كوسرت رسول علي.
ويتألف مشروع دستور اقليم كردستان المقترح من 122 مادة، ويعمل عليه الاقليم منذ قرابة سبعة اعوام، ، ولكن بروز المعارضة بقوة على الساحة السياسية بعد انتخابات العام 2009 اصبحت عقبة امام الحزبين الرئيسيين "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني رئيس الاقليم و"الاتحاد الوطني الكردستاني"بزعامة رئيس الجمهورية العراقي جلال طالباني في تمرير المسودة للاستفتاء الشعبي.
وحصلت قوى المعارضة الكردية العراقية الثلاث "التغيير" 25 مقعد و"الجماعة الاسلامية" 4 مقاعد و"الاتحاد الاسلامي" ستة مقاعد من اصل 111 مقعدا من مقاعد برلمان كردستان العراق في انتخابات 2009، ويعترضون بشدة على طرح مسودة دستور الاقليم للاستفتاء الشعبي ليدخل بعدها حيز التنفيذ ان حصل على موافقة الأغلبية عليه .
مشروع الدستور مر بمراحل ثلاث بدءا من عام 2002 حين كتب ومن ثم عرض على الأحزاب الكردستانية ونال مصادقة البرلمان كمشروع في العام نفسه، أما المرحلة الثانية فكانت بعد احتلال العراق وبدء مرحلة سياسية جديدة فيه تمت مراجعة مشروع الدستور ليتوافق مع الدستور الاتحادي للعراق، استمرت المرحلة تلك حتى عام 2006 حيث عرض على البرلمان وطبع بعد ذلك كمسودة عرضت على الأطراف السياسية والنخب والمواطنين في الإقليم، المرحلة الثالثة والأخيرة انتهت بصياغة جديدة بعد الملاحظات التي قدمت في المرحلة الثانية وصادق البرلمان على مشروع الدستور بأغلبية ثلثي أعضائه.
الاعتراض على هذا الدستور يمكن حصره بين طرفين مختلفين، اعتراض كردي داخلي يبدأ من نظرة أن الأحزاب التي تشكل المعارضة في الإقليم تطالب بأعادته للبرلمان قبل طرحه للاستفتاء الشعبي حيث ان إقرار الدستور تم قبل تشكيل هذه الأحزاب وهي ترى ان فيه الكثير من المواد الواجبة التعديل ومنها ما يتعلق بالصلاحيات المطلقة لرئيس الإقليم والذي ينص مشروع الدستور على انه يكون منتخب من الشعب وهي النقطة التي تثير تحفظات الكثير حيث ان النظام المعمول به في الدستور الاتحادي والذي تقوم عليه الدولة العراقية وهو الجمهوري نيابي( اي النظام البرلماني) حيث يتم انتخاب الرئيس من البرلمان ويكون رقيبا عليه وهو المسؤول عن أنتخابه أو إقالته في حين ان دستور الإقليم يتحدث عن نظام جمهوري اي ان الانتخاب يتم للرئيس من الشعب مباشرة. وبالتالي فأن هذا النص يشكل مخالفة للدستور الاتحادي ويعني مخالفة للمادة 121 منه التي إجازت للأقاليم إنشاء دساتير لها شريطة عدم تعارضها مع الدستور الاتحادي.
تشير المادة 90من دستور اقليم كردستان العراق المقترح ان : "رئيس اقليم كردستان هو الرئيس الاعلى للسلطة التنفيذية والقائد العام لقوات البيشمركة(حرس الاقليم) ويمثل شعب الاقليم وينوب عنه في المناسبات الوطنية والقومية ويتولى التنسيق السلطات الاتحادية وسلطات الاقليم".
اما المادة 104 أولا من مسودة الدستور تنص على ان لرئيس الاقليم صلاحيات : اصدار القوانين والقرارات التي يشرعها برلمان كردستان العراق خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تسملها، وله حق الاعتراض كليا او جزئيا خلال المدة المذكورة واعادتها الى البرلمان لاعادة النظر فيها ويكون قرار البرلمان بشأنها قطعيا.
وكانت قوى المعارضة الكردية قدمت مشروع قانون الى برلمان كردستان العراق للمطالبة بتغيير نظام الحكم من رئاسي الى برلماني وان يكون رئيس الاقليم فخريا .
وهناك اعتراض بعض الأطراف العراقية التي أبدت رفضها بقوة لمشروع الدستور ويطالبون مجلس النواب العراقي والمحكمة الاتحادية بالتحرك لإلغاء المشروع قائلين إنه يمهد لعراق قابل للتقسيم مستقبلا وإن خارطة الإقليم حسب الدستور تضم مناطق هي ليست ضمن الإقليم حسب رأيهم حيث ان موضوع تحديد الحدود الإدارية بين المحافظات هو الآخر في قانونه الكثير من الخلافات ولم يتم إقراره داخل البرلمان الاتحادي وبالتالي لايمكن ان يحدد الإقليم حدوده الإدارية بمعزل عن الدولة الاتحادية طالما هو جزء منها.
في الوقت الذي لم ينته الجدل حول الدستور الاتحادي للعراق والتعديل فيه جاء دستور إقليم كردستان ليتجدد الجدل بين الجانب الكردي الذي يرى من حقه كتابة دستوره وبين أطراف ترى غير ذلك.
أن الأساس القانوني لكتابة دستور الإقليم متوفر في الدستور الاتحادي ولكن يتطلب ايضا عدم مخالفته ، وأيضاً فأن في حال إقرار دستور الإقليم وعدم تعارض نصوصه مع الدستور الاتحادي او مخالفته لها فليس ثمة مانع قانوني في ان يعاد أنتخاب الرئيس مسعود البرزاني لدورتين انتخابيتين جديدتين حيث ان الدورتين السابقتين له لم تكن له تحت هذا الدستور كذلك ففي حال الوصول الى الحل التوافقي بين القوى والأحزاب الكردية حول الدستور والذي يبدو انه يسير بهذا الاتجاه بعد القرار الأخير لرئاسة الإقليم في ان يتم إجراء مشاورات داخل البرلمان مجددا بين الأحزاب والقوى الكردستانية فأن موعد الانتخابات الرئاسية وانتخابات الإقليم ستتم في وقتها وقد تتأجل في حال عدم التوصل الى ذلك.
مقالات اخرى للكاتب