يدور جدل، على نطاق ضيق أن كان المالكي سيرشح نفسه مرة ثالثة لتولي رئاسة الحكومة. ومع أن الدستور لايمنع نصاً اعادة تولي المالكي، إلا أن تفسير خصومه السياسيين للدستور ليس في صالح عودته مرة أخرى.
قبل بضعة شهور التقيت مصادفة بأحد القياديين في حزب الدعوة الاسلامية، وبعد حديث متشعب عن الاوضاع السياسية والأمنية المضطربة، سألته إن كان المالكي سيرشح نفسه مجدداً. فأجاب بالتأكيد سيفعل ذلك! وهنا قلت له: لكن لا الاكراد موافقون ولا المجلس الاعلى يؤيده ولا التيار الصدري يدعمه ولا حتى ماتبقى من العراقية على تعدد شراذمها يرحب بذلك. وكل هذه الاطراف التي تشكل بمجموعها القوى السياسية المناوئة للمالكي والمعترضة على اعادة توليه رئاسة الحكومة مرة ثالثة. فعلى ماذا تستندون؟ ثم إن ماستحصلون عليه من مقاعد في انتخابات 2014 لاتكفي لايصال المالكي الى المنصب الرفيع، لأن الأمر بالنتيجة يحتاج الى موافقة الاكراد والسنة العرب وثلاثة أرباع الشيعة العرب؟ فاجاب القيادي: مازال الوقت مبكراً للجزم بأن القوى التي ذكرتها ستظل على موقفها الى نيسان من عام 2014، فالسياسة لاتعرف الخصومات الدائمة .وقلت له: المالكي صنع له اعداءً كثر، فهل لديكم من يحل محله؟ فأجاب : إذا لم يكن هناك نظيراً له فأن في أئتلاف دولة القانون العديد من الشخصيات السياسية المرموقة .
هذا الرأي الأخير الذي سمعته من القيادي الدعووي فاجأني من جهة إن هناك من يفكر بالبديل، فما هو معروف عن الاحزاب الشمولية قمعها لفكرة منازعة القائد أو حتى التفكير ببديل له .
في الاسابيع الماضية وعند احتدام الصراع داخل اقليم كردستان حول اعادة انتخاب مسعود البارزاني لرئاسة ثالثة للأقليم، والخلافات الحادة والمتصادمة بشأن ذلك، إلا إن البارزاني اقترح حلاً وسطاً على القوى السياسية الكردية، وهذا الحل هو أن يتم التمديد له وللبرلمان الكردي لسنة أو سنتين حتى تتمكن الاطراف المتصارعة من ايجاد حل.. وقيل هناك في كردستان بأن الادارة الامريكية تقبل بذلك مع أنه يتناقض مع طروحاتها بالتداول السلمي للسلطة! فالذي سيحصل في كردستان ماهو إلا تداول قسري وليس سلمياً للسلطة هناك. وقيل أيضاً بأن ايران قد وافقت على ذلك وابلغت الاكراد بعدم اعتراضها على هكذا صيغة تتفق عليها جميع الاطراف . وقد يحدث في بغداد ماحدث أو سيحدث قريباً في كردستان.. فهناك الكثير من النواب الطامعين بالبقاء في مناصبهم سنتين او سنة على الاقل، وهم سيتنازلون عن اصرارهم على استبدال المالكي وتأجيل ذلك الى حين آخر! وأقصد هنا ليس نواب ائتلاف دولة القانون، بل النواب من كتل أخرى كالمجلسيين والصدريين وشتات العراقية وكذلك النواب الاكراد. وأيضاً، لا أعتقد بأن ايران تعترض، فهي لم تتخلى عن تعهداتها للصدريين والمجلسيين لاستبدال المالكي. فالمالكي سيرحل حتى وأن ظل في منصبه سنه أو سنتين.. أما الامريكيون الذين تعهدوا للاكراد وزعماء السنة العرب السياسيين بعدم الابقاء على المالكي في الحكم بعد انتخابات 2014، فأنهم لايرون مايحرجهم امام الاصدقاء، لأن ماسيقضيه المالكي في الحكم سيكون محدوداً بسنة، هكذا سمعت من احد سياسي (العراقية)!
ماذكرنا سابقاً لايعطي تصوراً متكاملاً لما ستؤول اليه الاوضاع. وأرى أن قراءة متأنية لافكار المالكي، المعلن منها أو الذي يتداول داخل الدائرة الضيقة المحيطة به، ستعزز فكرة إن العراق مقبل على أزمة خطيرة في حال خرج المالكي عن الخطوط الحمر التي أحاطه بها الامريكيون أو الايرانيون بعد أن أطلق الامريكيون بالون اختيار قبل أيام على شكل توقع يقول بأن حكم الشيعة قريب الزوال، أو هكذا فهمت منه .
وما تتداوله (النخبة) المقربة من رئيس الحكومة هو اصراره على ولاية ثالثة، مع احتراس شديد من وقوع صدام بينه وبين الامريكيين والايرانيين. ويعتمد المالكي سياسة توسيع الخلافات بين حليفيه، الدولي والجار. فهذا سيجعلهما بحاجة الى وجوده، لأنه استطاع خلال السنوات السبع الماضية من امساك العصا من وسطها من دون أن يغضب أياً منهما. وكانا راضيان عن أدائه، ويفضلان استمرار حكومته حتى عام 2011. هذه الحقيقة يعرفها المالكي ويأمل أن تظل الحاجة إليه قائمة الى أمد أبعد حتى 2018.
واعتماداً منه –المالكي- على هذا، فأنه يعمل الآن على كسب صداقات بعض القوى السياسية الفاعلة، ولعل أصعب مايواجهه في هذا التوجه الجديد هو أن لا الاكراد ولا العراقية وتشظياتها ولا المجلس الأعلى ولا التيار الصدري تثق بالمالكي وتطمئن الى تعهداته لها باشراكها في القرار السياسي في حال وافقت على التمديد له مرة ثالثة. وفقدان الثقة هذا رسخته ممارسات المالكي خلال سنوات حكمة السابقة. ولا تريد معظم القوى السياسية التي ذكرناها أن تجرب مرة أخرى. ويكفينا قولهم بأن ((المجرب لايجرب)).
واضافة الى أن ضياع الحكم من المالكي يشكل له ولحزبه كارثة، فأن مايخيف (الجمع الحاكم) هو كشف حجم الفساد الذي شهده العراق في السنوات السبع الماضية.. وكشف الفساد لابد أن تتبعه محاكمات للفاسدين وهم بالطبع المقربون من المالكي ومن بينهم كثير من ابناء عائلته. وستكشف التحقيقات، في حال انتقل الحكم الى خصوم المالكي الحاليين عن الفساد المالي والاداري وحتى الاخلاقي ما كان له ان يستمر بوتيرة عالية من دون أن يكون المالكي شخصياً على علم بما يجري أو أن كل ماحدث كان قد تم بموافقته. ولهذا كله نرى المالكي متشبثاً بالسلطة، وهو مستعد لاغضاب العراقيين والانقلاب على الدستور في حال ضمن البقاء حاكماً. لكن مايخيفه حقاً هو موقف الاجنبي منه المتمثل بالامريكيين والايرانيين. ولا يخفى عن رئيس الحكومة العراقي أن الاجنبي هذا، لايهمه فلان أم علان ان تولى حكم العراق، بقدر ماتهمه مصالحه. وفي حال وجد الاجنبي إن مصالحه تتعرض إلى خطر جدي، فأنه لن يتردد من التخلي عن حليفه العراقي. وامام المالكي أمثله عديدة على ذلك. فمبارك وبن علي وعلي عبد الله صالح وحتى حمد بن خليفة كانوا ضحايا تبدل المصالح الامريكية. أما ايران، وهي الرقم واحد مكرر في المعادلة السياسية العراقية، فهي الأخرى لايهمها إلا من يؤمن مصالحها إن كان المالكي أو غيره.. وغيره هنا اكثر مما يحصون، وهم منافسون خطرون للمالكي وشديدو الخطر على مستقبله السياسي.
مقالات اخرى للكاتب