وصف الإمام عليٌّ عليه السلام نفسه المقدّسة بالقرآن الناطق ، و ذلك - كما ينقل إبن عساكر في تاريخه - عندما عقّب في خطبة على خدعة تحكيم القرآن في حرب صفين بقوله صلوات الله عليه :
" أنا القرآن الناطق " .
ولعلّ غير المؤمن بولاية عليٍّ عليه السلام من المسلمين يخالجه شعور شيطاني بأن الإمام يبالغ في هذا القول ، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً .
فعبارة " القرآن الناطق " تعني في جانب منها أن الإمام علياً عليه السلام بسيرته العطرة و كماله الإنساني - هو و سائر الأئمة الأطهار من أولاده و أحفاده - هو التطبيق الحيّ و التفسير الكامل لآيات القرآن العظيم ، أي هو العِدْل المتحرك للقرآن الساكن ( باعتبار كون القرآن الكريم كتاباً تضمّ آياته السماوية دفّتان ) .
و من زاوية نظر أخرى ؛ يبدو كلّ ما صدر عن الإمام عليٍّ عليه السلام من أقوال ، عابراً للزمان و المكان و حائزاً على صفة الديمومة و الخلود ، و هو هنا يشبه إلى حدٍّ ما آي الذكر الحكيم . و لذلك قيل في وصف كلامه عليه السلام أنه : دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوقين .
و لكيلا يطول بنا المقام - و ليس ذلك من عادتي - اُشير هنا إلى كلمة غرّاء من كلمات الإمام ، تصلح أن تكون منهاج عمل لحرب قواتنا المسلحة العراقية حالياً بالضدّ من الدواعش المعتدين .
يقول عليه السلام : لا تستصغرنّ أمر عدوك إذا حاربته ؛ فإنك إذا ظفرت به لم تُحمد ، و إن ظفر بك لم تُعذر ، و الضعيف المحترس من العدو القوي ، أقرب إلى السلامة من القويّ المغترّ بالضعيف . ( سجع الحمام في حِكم الإمام ، ص 301 ، ح 1153 ) .
أعتقد أن هذه الحكمة السماوية ممتنعة في أبعادها و عمقها ، لكنها سهلة أيضاً على فهم اللبيب .
فلو تصوّرت القوات المسلحة العراقية مثلاً أن داعش تنظيم إرهابي عديم القيمة و القوة - و ربما كان كذلك فعلاً - و ركّز إعلامها و دعاياتها على هذه الناحية - كما نلاحظ - ثم انتصرت هذه القوات بإذن الله ، فإن الجميع سيهوّن من شأن هذا النصر ، و سيقول إن انتصاركم لم يكن بسبب بطولاتكم و تضحياتكم ، بل لأن داعش مجرد فئة قليلة لا قيمة لها ، أما إذا انتصر داعش لا قدّر الله لأسباب أخرى ، كالخيانة و التواطؤ و العداء الأعرابي و الدولي للتجربة العراقية إلى آخره ، فحينذاك سيردد الجميع ما رددوه بعد احتلال الموصل ، من أن مجرد 500 داعشي هزموا 30 ألف جندي عراقي !
و تبدو دولة إسرائيل - لسخرية القدر - أسرع من فهم البعد الدقيق في كلام الإمام ، فكانت و ما تزال ذلك القويّ الذي لا يغترّ بالضعيف أبداً ، فهي تحسب حساباً لكلّ تصريح و كلمة عند عدوّها ناهيك باستعدادها المبالغ فيه في مواجهة الصواريخ الصوتية و القذائف غير المسددة و الطائرات الإعلامية أكثر من كونها مسيّرة فعلاً !
و هكذا ، ينطق الإمام عليٌّ بالحقّ فيرقى إلى مصافّ الكلام الإلهي ، و يتمسك المسلمون بأئمة الباطل - في ذات الوقت - حتى لحظة الخسران المبين .
مقالات اخرى للكاتب