أبناء منطقة الكاظمية الكرام معروفون بلهجتهم الخاصة ، فحين يطلب احدهم من الاخر جلب شيء معين يقول ، اطياني ، اعطني ، واكتبيالي ، اكتبه ، وغيرها من المفردات على ذات الايقاع والوزن ، لا يجيدها الا الكواظمة ، ومن يرغب في تقليدهم سيواجه الفشل لانه سيجد صعوبة في لفظ الكثير من الكلمات ، ومن مميزات لهجتهم ايضا انهم يسمون الفرس "حصانة " والمفردة لاعلاقة بالحصانة البرلمانية والدبلوماسية ، ويقصدون بها فرس العربة سواء الربل ابو حصانين او الاخرى المخصصة لنقل مختلف البضائع قبل شيوع استخدام السيارات .
الحصانة بلهجة اهل الكاظمية ربما تصلح ان تكون صفة ملائمة لشخصيات دخلت الى المشهد السياسي من "الرازونة" وفرضت حضورها بعقد صفقات وتفاهمات مع جهات متنفذة حققت مكاسب للطرفين، من قبيل الحصول على مقعد تعويضي في "الربل ابو الجرس" والتوجه الى باب الدروازة ، وقائد العربة "العربنجي" يحرص على وضع الجرس في عربته لغرض تنبيه المارة ، بالضغط على نابض يكون عادة تحت القدم ، وعلى ايقاعه مع ضربات خفيفة بالسوط تتسارع خطوات الخيل ، وفي نهاية الرحلة تأخذ "الحصانة" قسطا من الراحة استعدادا لاخرى جديدة فيما يتوجه "القائد "الى اقرب مقهى لتناول الشاي ثم تدخين سيجارة مزبن او من نوع الجمهوري بدون فلتر او اجنبية فاخرة اذا كان "الوارد" يسمح بهذا الترف ، بمرور الزمن اختفت تلك الصور ، وماعادت "الحصانة" هي الفرس ، وانما استخدمت المفردة في موقعها الصحيح عندما ارتبطت بمجلس النواب ومنحت لأعضائه ، لا ترفع الا بقرار قضائي .
الحصانة البرلمانية لنائب متورط بملفات فساد ، واخر متهم بقتل ابرياء وثالث يحرض على العنف ، ورابع يمتلك فضائية سخرها لإثارة الفتنة الطائفية وخامس رفع شعار لا موسيقى ولا غناء ولا نحت ورسم في العراق ،هؤلاء وامثالهم هم من احتل المشهد ، وبسبب مواقفهم وارائهم ، تراجع العراق الى عصور ما قبل التاريخ ، وحتى في تلك العصور منحت الحصانة والامتيازات للكهنة وبطانة الملوك وعناصر حماياتهم ، فحصلوا على حق امتلاك العربات ، وبغياب الخيل يسخرون البشر لجر عرباتهم الى منازلهم الواقعة في اماكن مرتفعة ، لانهم يعتقدون بانهم الاجدر في الاقامة بالقمم ، اما الاخرون فمكانهم السفوح والاودية وبجوار القمامة .
الفرق بين الحاكم والمحكوم شاسع وكبير ولم يستطع بنو البشر منذ وجودهم على الارض وحتى الان الغاءه ، وترسخ بالتفاوت الطبقي ، واستحواذ فئة محددة على السلطة ، ومنح الحصانة البرلمانية والدبلوماسية لمن لا يستحقها ،فظلت المعادلة مضطربة ، والصراع قائما واخذ في بعض الاحيان طابع مواجهات مسلحة بين رجال السلطة ، ومن يحاول الاستحواذ عليها ، اما المحكوم القابع في زاويته المهملة ، فليس امامه الا انتظار ساعة الرحيل الى العالم الاخر ومواجهة منكر ونكير بعتاب شديد اللهجة ، لحرمانه من الحصول على "حصانة عربانة" تعينه في الحصول على الدخل اليومي .
مقالات اخرى للكاتب