حبش رجل قارب الحلقة الرابعة من سلسلة العمر, معدوم الحظ والتعليم والحيلة. فقير مدقع ظل طوال ما بعد سقوط العهد السابق يبحث عن تعيين او اية فرصة عمل مناسبة يعتاش منها. شاء القدر ولحُسن حظه ـ وسوء حظنا !! ـ أنْ فاز احد اقاربه باحدى الانتخابات البرلمانية بمنصب خطير وكبير جدا في الدولة. حين علم والد حبش الرجل العجوز المسن بذلك وهو بمثابة العم الكبير.. لهذا المسؤول.. الكبير، غمره فرح ايضاً… كبير !!. حالاً ارسل مع حبش رسالة توصية ووساطة لهذا المسؤول تذكره بما عليه من حقوق وواجبات تجاه ارحامه كصلة رحم اوصى بها الله والنبي وخصوصا ارحامه الكبار.. بوصفه المسؤول الكبير !!. وترجاه بشدة وأمّنه امانة بأغلظ الأَيمان بإيجاد اية وظيفة ما لديه لإبنه حبش العاطل والذي ظل يبحث عن فرصة عمل لسنوات طويلة دون جدوى. دخل حبش بالرسالة مشفوعةً بطلب التعيين بحياء ووجل وتوجس كبير.. للمسؤول.. الكبير. قرأ الرسالة بعجالة ـ فهو لا يملك وقتا ـ ومرر عينيه بسرعة على الطلب. التفت لحبش يسأله إن كان يحمل اية شهادة ما.. جامعية او ثانوية او متوسطة. اجابه حبش بالنفي وأنه يحمل فقط شهادة ميلاد ومن المؤمّل ـ كما وعدوه ـ أن يحصل على شهادة وفاة بعد عمر طويل !!. وأردف وهو يقول مبتسما بحرج : (استاذ ليش هو النظام السابق خلّة الواحد يدرس وياخذ شهادة… اشو جابهة من حرب لحرب) !!. عاد المسؤول ليسأله ثانية إن كان ولو حتى يعرف القراءة والكتابة. اجابه حبش بأنه أمي واضاف : (استاذ ليش هو النظام السابق خلّة الواحد يقرة.. يكتب… اشو جابهة من حرب لحرب) !!. سأله المسؤول إن كان يعرف اية مهنة (مصلحة).. حدادة, نجارة, كهرباء, تأسيسات صحية. نفى حبش ذلك واضاف : (استاذ ليش هو النظام السابق خلّة الواحد يتعلم صنعة.. صخام… اشو جابهة من حرب لحرب) !!. سأله المسؤول إن كان يعرف ولو حتى السياقة. نفى حبش ذلك واضاف : (استاذ ليش هو النظام السابق خلّة الواحد يندل دربة… اشو جابهة من حرب لحرب) !!. بانَ الإستغراب على محيّا المسؤول وهو يقول : (شنو هاي يعني كلشي متعرف ؟!!). اجابه حبش بمنتهى الصراحة.. ففي الصراحة راحة : (الصدكَـ غير.. جول كلشي ماكو). وقبل أن يضيف قاطعه المسؤول منزعجا بنفاد صبر : (ادري افتهمنا… ليش هو النظام السابق خلّة الواحد مو جول… اشو جابهة من حرب لحرب) !!!. قال حبش هاشّاً باشّاً فرحاً مؤيداً : (إي والله استاذ احسنت.. لا عاب حلكَك) !!. مندهشاً عاد المسؤول ليسأله بقصد التأكد : (ادري يعني شنو حبش.. ماكو ولا طكَة.. كلشي مدّبر ؟!!). فردَّ بمنتهى الوضوح حاسماً الموقف : (اجيك من الاخير استاذ.. الله وكيلك محمد كفيلك… ثور الله بأرض الله) !!!. حينئذٍ هزَّ المسؤول الكبير رأسه هزّة العارف بكل شيء فاهماً ما المطلوب منه في مثل هذه الحالات. اخذ طلب التعيين و(همّش) عليه في الحال بأنْ كتب : يُعيّن على الملاك الدائم بصفة مستشــــــــــار… (مستحمار) !!!!.
مقالات اخرى للكاتب