كيف يتمأسس خطاب البطل الفرد المنقذ في المجتمعات العربية الاسلامية ويشكل دعامة اساس وسند عضوي للكثير من التطلعات والاحلام التي تجترحها ذوات مجتمعية معطوبة ومكلومة بفعل عناصر النسيان السلطوي التاريخي لرغباتها وتطلعاتها الجوهرية في تحقيق ماتصبو اليه من حياة حرة وكريمة ؟ نقول ذلك من خلال ذلك الهوس الاعمى، الذي تبديه الجماهير وراء القادة الابطال صانعي الاوهام والخيالات، ولكنهم في ذهنية المجتمع ابطال حقيقيون لديهم الامكانية والقدرة على التغيير والمساهمة في رسم عوامل القادم الجديد الذي يشكل بارقة الامل والتغيير في نظر ومخيلة الجماهير وما يتداركها من احلام وطموحات،
فالذات البشرية بشكل عام اوجدت قيم البطولة والزعامة من خلال او بسبب ظروف ومؤثرات اجتماعية وسياسية ثقافية تملي عليها قيم القائد الزعيم، وذلك مرتبط اشد الارتباط بالمجتمعات البدوية التي تمارس على ذاتها ذلك التفضيل الوجودي للفارس الزعيم، ومن ثم تعطيه المكانة المطلقة والتي تحسب من القدسيات من حيث تمثل وعي القبيلة الى تقديس البطل الفارس لانه الملاذ والحامي الجوهري من الاعداء الذين يريدون الغاء جوهر القبيلة وكرامتها الانسانية والوجودية ضمن المجتمعات التي كان يسودها المنطق البدوي وقيمه العشائرية من حيث قيامه على عدة مفاهيم كالغزو والسبي والفرهود وغيرها من القيم البدوية التي ماتزال تشكل بقاياه ضمن او داخل سلوك البعض، وهكذا الامر بالنسبة الى المجتمعات التي سادت لديها قيم الفروسية، في اليونان القديمة او في اوربا الاقطاع كانت هناك عناصر التبجيل لمظاهر الفارس البطل الذي يغدق عليه جميع الهبات والعطايا بما فيها الزواج من الملكة او الاميرة او بنت الملك ، وهكذا نقول ان جميع المجتمعات عرفت ظاهرة البطل الفرد، الذي يتأصل بدوره كحاكم وقائد فيما بعد سواء لجماعة بشرية كالقبيلة او كحاكم مطلق له الهيمنة والوصاية على الاخرين، فالمجتمعات الحديثة لم تبارح ظاهرة البطل الفرد إلا منذ فترة ليست بالبعيدة وهنا نذكر جميع النماذج التي اوجدت الاستبداد والتفرد كانت نتيجة لشروط ايديولوجية مجتمعية قادت الى وصول قادة لديهم الاطلاق الوجودي على الاخرين وما وصول هتلر وموسليني إلا دليل جوهري ان المجتمعات كانت تتوق ضمن ذاكرتها المجتمعية الى الخلاص من خلال شخص الزعيم او البطل ، ومن ثم وتمزج ذاتها المجتمعية مع ذات البطل المؤسطر من قبل الجماعة البشرية، ومن ثم يعمل هذا البطل على ترسيخ الشعور القومي والانتماء الضيق للفكر والعقيدة الزائفين، ولاننسى هنا ان عبادة الافراد الزعماء هي ظاهرة قديمة لانها مرتبطة بعبادة البطل المؤسطر المنقذ للجماهير، ومن ثم يتم تصوير القادم الجديد اي البطل على انه هو من يملك زمام التغيير والخلاص من مختلف الانتكاسات والجروح التي اصابت الذات المجتمعية.
ان ظاهرة البطل في مجتمعاتنا يتخللها في كثير من الاحيان تلك القدرة الدائمة على اسباغ الكثير من الصفات والمزايا التي تعد ضمن دائرة الخيال وعدم التحقق الانساني فالدكتاتورلم يأت الى السلطة إلا من خلال وجود ذات معطوبة ومكلومة غير قادرة على ايجاد حكم جماعي تقوده الكثرة العددية من الافراد والجماعات ومن ثم هو منبثق من داخل هذه الارادة المجتمعية ليس إلا، فذاكرتنا الشعبية في العراق خصوصا تعد البطل حتى وان كان جائرا وظالما لديه الصفات التي يجب ان تتبع بأعتبار منطق الغلبة والقوة السائدة لدى المجتمع البدوي الذي يرسخ بدوره منطق القوي والمسيطر ومن ثم لاوجود للضعفاء في مخيلة هذه الجماعة البدوية إذ ماتزال هناك الكثير من الامثلة التي تعطي الافضلية للبطل الذي يستطيع ان يحصل على مايريد من خلال منطق القوة والصراع العنفي اي سيادة المنطق " الغابوي " من الغابة، ومن ثم يغيب إثر ذلك منطق العدالة الاجتماعية والمساواة والتحرر الانساني من الجور والظلم بفعل ان العالم ماهو إلا تكرار مستمر لنظام إحادي غابوي سلطوي هذا ما رسخ طيلة التاريخ العربي الاسلامي من قوي يأكل الضعيف وهكذا في حلقة مفرغة من القيم البعيدة عن جوهر الدين الاسلامي، كل ذلك ينتمي الى قيم البداوة التي سيطرت على العراق طيلة قرون طويلة من الزمن إضافة الى الزحف البربري المغولي الى بغداد استطاع ان يدمر جميع عوامل المدنية التي عملت على اجتراحها الحضارة العربية الاسلامية في فترات معينة من الزمن ، كل ذلك ساعد على دخول الاسلام موجات همجية اساءت اليه من حيث تأبيد نموذج الجمـود الفكري والعقــائــدي، ومن ثم لايجوز مجابهة العقل الحالي اي المنجز تاريخيا من خلال ثقافة السؤال والابداع بفعل سيطرة عوامل وشروط ثقافية جديدة ترفض الابداع وذلك بفعل الخوف من التجديد او هو بالاحرى الخوف من ضياع المصالح التي يترتب عليها اؤلئك مالكي زمام التفسير الوحيد والاحادي اي اؤلئك الذين يفرضون اطارهم التقليدي ليس إلا. ففي العراق يوجد البطل بأشكال مختلفة إما هو سبع يذود عن قيم المجتمع او هو حامي العشيرة الاقرباء، إذ مانزال نشهد ذلك رغم اننا نعيش داخل المدن ولكنها مؤطرة بإطار القرابة والعشيرة التي تحكم عملية توزيع السلطات والصلاحيات، وهنا ليس علـى مستـوى الفرد الواحد بل على مستوى العشيرة بأكملها، ولاننسى ان الحكم الدكتاتوري اعتمد على سلطة العصابة الشللية المؤطرة بإطار العشيرة حتى تحولت الى نطاق اضيق مرتبط بالعائلة.
كيف يمكننا الخروج من سلطة الفرد الدكتاتور، ومن ثم الخروج من سلطة القرابة التي تمحي قيم المدنية والتطور المدني الصناعي الذي لايعتد فيـه قيـم البـداوة والتصحـر المـرتبطـة بـالعشيـرة وانظمتـهـا القـرابيـة، من خلال ترسيخ وعي الحريات وترسيخ سلطة القانون المدني الذي يشمل الجميع افراد ومجتمعات ومن ثم ترسيـخ قيم المجتمع المدني، والذي يعني سيادة التعددية الثقافية والاجتماعية والسياسية ومن ثم لاوجود لإطار او شكل من الممكن ان يسيطر ويفرض قيمهمـن جـديـد علـى المجتمع ومـن ثـم ذلك التراجـع المستمـر نحــو قيمــة العشيرة وانظمتها القرابية ومن ثم الدوران في حلقة مفـرغة من الواحدية والتعامل النهائي المطلق مع كل مايشكل الذات البشرية من احلام وطموحات نحو التغيير والأنسنة البشرية المرتبطة بوعي الحرية الى حد بعيد.
مقالات اخرى للكاتب