لم تكن مفاجأة حين أعلنت المفوضية العليا للانتخابات أن نسبة المشاركين في الاقتراع العام في عموم المحافظات المنتخبة بلغت 50 %، وأن العاصمة بغداد شكلت أدنى نسبة مشاركة وبلغت 33%.
كل العراقيين كانوا يحلمون بتغيير حقيقي، إلا الحكومة التي أصرّت على أن تمارس لعبة الديمقراطية بالوجوه نفسها، وبمشروع سياسي لا يختلف كثيرا عن المسرحية الكوميدية التي مل الناس من التفرج عليها خلال السنوات الأربع الماضية.. بعد أيام سنستعيد صور واصوات، وخطب رنانة سمعناها من قبل، وسنشاهدهم من شاشات الفضائيات ونطالع تصريحاتهم في الصحف.. وسيجري اقتياد الناس وبالقوة لحضور حفلة سياسية أصحابها معبّأون بكلام فارغ ومكرر من عينة " جئنا لإنقاذكم "
وجوه وأصوات يتم استحضارها في كل انتخابات، غير أن الوقائع والدلائل أكدت أن هذه الأصوات والوجوه، فشلت في أداء مهامها، ولهذا كانت الناس تتمنى أن يتم إعادت اصحابها إلى مستودعات السلع غير الصالحة للاستعمال.
كان الناس يتطلعون "لتشييع" الوجوه الكالحة لبعض أعضاء مجالس المحافظات إلى مثواها الأخير، وأن يهدي الله الكتل السياسية والحكومة المركزية إلى اختيار محافظين ورؤساء مجالس محافظات تتوافر فيهم صفات الشهامة والرجولة والسمعة الطيبة، محافظين وأعضاء مجالس محافظات يدافعون عن الناس وليس عن مصالحهم الخاصة، ويحتمون بالحصانة الوظيفية ضد الفساد،لا أن يستثمروها في الرقص مع الفساد، يلبس بعضهم عباءة الفضيلة ليداري الرذيلة، ولكن روائح فسادهم الكريهة ملأت أروقة مؤسسات الدولة، وتسربت منها إلى الشوارع والأقضية والنواحي والمدن، وتحوّل بعضهم إلى مصيبة وقعت على رؤوس الناس البسطاء، محافظين ورؤساء مجالس محافظات يحتمون بالمناصب والوجاهة الاجتماعية والسطوة.
بالأمس حين أدار أكثر من نصف أهالي بغداد ظهورهم إلى الانتخابات، فلأنهم ملّوا من المطالبة بأبسط حقوقهم، في حين اصر مسؤولونا الأشاوس في التاكيد على أن من يطالب بحقوقه فإنما يستقوي بالخارج وينفذ أجندات سياسية، ولا ندري هل الدعوة إلى توفير الكهرباء تحمل في طياتها أجندة سياسية؟ وهل البحث عن فرصة عمل يحمل روائح تدخّل أجنبي؟ وهل المطالبة بسكن لائق وحصة تموينية تليق بالبشر والتخلص من "الزبالة" التي ملأت شوارع العاصمة تقف وراءها قوى إمبريالية أو رجعية؟
لكل هذا او لبعضه، قررالناس قول لا..، مرة ومرتين وثلاثاً وعشراً لكل الفاشلين الذين صدّرتهم مجالس المحافظات ليتحكموا في رقاب العباد. ورفع الناس شعار لا للمرة الألف، لأن حريتهم وامنهم واستقرارهم يساوي أكثر بكثير من المعروض عليهم من بضاعة منتهية الصلاحية. قالوا لا، لأن آثار معركة كرامة الانسان لا تزال باقية في محافظات: البصرة وبابل والسماوة وميسان وواسط.
قالوا، لا وهم يشاهدون مدنهم التي ارادوها ان تفرح، لبست السواد، لأصرار الفاسدين في المحافظات وأعوانهم على أن يلبسوها هذا السواد حزنا وكمداً، لمصادرة الفرح من حياتهم. قالوا لا، لأن أميين ما زالوا يتحكمون بمقدرات الناس، فيما كفاءات نادرة تهيم في طرقات الغربة بحثا عن الأمان بعد أن طاردتهم عصابات كاتم الصوت.
قالوا لا.. لكي لا يبقى حزب "الثلّة" يتصدر المشهد السياسي، فيخطف مستقبل البلاد نحو المجهول، فالذين سرقوا أموال الشعب، والذين سلّحوا الفاسدين وأطلقوهم على مقدرات البلد، والذين خطفوا العاصمة من ناسها لا يزالون يحتفظون بكراسيّهم ونفوذهم وأسلحتهم وأعوانهم المتربصين بكل شيء ينبض بالحياة.
لقد تعامل المفسدون في مجالس المحافظات مع الناس بمنتهى الاستهتار والاستبداد والترويع، بل حاولوا ترويج صورة ظالمة عنهم باعتبارهم أعداء الاستقرار وأصحاب أجندات خارجية.
"فاشلون" ذرفوا "دموع التماسيح"، لأن الناس طالبوا بالإصلاح ومحاسبة الفاسدين، وإقصاء كل رموز الفساد.
وبعد، فلن تصيب "تسونامي" بغداد لو غادرها أصحاب الوجوه المتلونة، ولن يستطيع الفاسدون بعد الان، من استخدام كلمة "لا" المدوية التي يواصل اطلاقها أهالي المحافظات بوجه مجالس محافظاتهم، لكيل الاتهامات بان من يطلقها انما هو صاحب أجندات خاصة، أو خائن يريد عودة نظام صدام المقبور.
سنستمر بقول "لا" مدوية، لمجالس محافظات أثبتت فشلها، لأن مصائر الناس لا يمكن أن تخضع لإرادة مسؤول فاشل وفاسد. وهنا يكمن الفارق بين شعوب تصنع التقدم، وشعوب عاجزة حتى عن البقاء حيث هي.
لا أعرف نتائج الانتخابات، وربما تفوز نفس الوجوه الكالحة، وانا لست بساعٍ لتنفيذ أجندة خارجية ضد "جهابذة" مجالس المحافظات، ولكني افترض ان الناس الذين اكتووا بنيران فسادهم وافسادهم، لا يحتملون معاناة فصول ماساة جديدة، مع وجوه "انتهت صلاحيتها" حتى قبل ان تُطرح في الاسواق..!
مقالات اخرى للكاتب