أقمت في الأردن لفترة من الزمن , خلال فترة الحصار الاقتصادي على العراق , كان اغلب جيراني من الأردنيين يمتدحون الشعب العراقي قائلين : "انتم شعب متماسك وكريم" , بعضهم قال:" لو مر الحصار بالأردنيين لأكل بعضنا بعضا" .
لقد عانى العراقيون في تلك الفترة شظف العيش , لكن نسبة كبيرة من الأغنياء تكفلوا بعض المحتاجين , ولبوا متطلباتهم , كل غني سخي يمد المقربين منه ومعارفه بما يحتاجونه , على الرغم من ان نسبة أغنياء العراق آنذاك كانت قليلة قياسا لعددهم هذه الأيام , لان جل الأموال كانت محصورة بيد أقارب وعشيرة صدام ومقربيه وكبار ضباطه وقيادة حزبه.
من البريد الاليكتروني المزدحم برسائل ومقالات التسقيط والمديح الانتخابي في الأسابيع الماضية , تنبهت إلى رسائل تصلني بشكل مستمر منذ أعوام بمعدل من رسالة إلى رسالتين أسبوعيا على الأقل من مؤسسة تهتم بحال الأيتام العراقيين , الرسائل معززة بالأسماء والصور والعناوين , ما انفكت هذه الرسائل تدعوا الخيرين ميسوري الحال التبرع لبناء سقف عائلة أو إنقاذ أيتام من الجوع أو المرض . قلت في نفسي :ترى أين ذهبت أموال السحت التي وزعها الراشون من المرشحين ؟
أين أصبحت أخبار المراوح والصوبات والبطانيات هل تبدلت بدفعات نقدية؟.
لماذا لم يذهب المرشحون إلى دور الأيتام أو إلى الأيتام في محال سكناهم ؟.
أم أن هذه الشريحة لا تعنيهم لان اغلبهم أطفال ولا يحق لهم التصويت !.
أرى ان خللا كبيرا أصاب بنية الشعب العراقي واحدث شرخا كبيرا فيه , لقد تعرضت بنية الشعب العراقي للتدمير الممنهج الذي لحق بمنظومتي القيم والأخلاق , التي دمرهما صدام طول فترة حكمه , تلك الرواسب أفرزت حالة التشرذم والفوضى والفساد التي نعيشها , وضاعفت المشاكل التي تواجه العراقيين , بظل انفلات امني وقيمي غير مسبوق !.
اعرف ان مهمة القضاء على البطالة والفقر والأمية والأمراض المتوطنة والنهوض بالمستوى التعليمي والمعيشي والصحي والخدمي مهمة الدولة العراقية , إلا ان تجارب دول غنية سبقتنا لم تعف الأغنياء من المشاركة الفاعلة لمساعدة الفقراء .
لقد اختار الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون عنوانا حكيما وبليغا لأخر كتبه حين عنون كتابه" بالعطاء: لكل منا ان يغير العالم" , بينما تقوم الجمعيات والمنظمات الخيرية الإنسانية المنتشرة في العالم الحر بنشر ثقافة التسامح , وتسهم بمكافحة المرض والعوز والأمية , نرى أن اغلب جمعيات العرب السرية وبعض العلنية منها , تسهم بنشر ثقافة الكراهية , وتنشط اغلب صناديقهم الخيرية في تمويل الإرهاب , وتساعد على الاقتتال الداخلي والفتن والطائفية والتشرذم وتدمير بعض البلدان العربية .
كارلوس سليم لبناني الأصل يمتلك شركة الاتصالات المكسيكية وهو أغنى أغنياء العالم صحيح انه أصبح ملياديرا في المكسيك ومن خيراتها , لكنه لم يدر ظهره لبلده البديل المكسيك . لقد وهب من أمواله الكثير , سأوجز جزء بسيط من أعماله الخيرية العظيمة – ملاحظة : كارلوس سليم ليس مرشحا للانتخابات العراقية وهو أشهر من نار على علم ولا يحتاج إلى من يمتدحه--.
أعماله:
١:خلال عشر سنوات دفعت شركته تكاليف ٢٠٠الف عملية جراحية كبرى , أجريت في مختلف مدن المكسيك , وموّلت ٣٦٠٠عملية زرع أعضاء .
٢: قدمت شركته معدات مواليد جدد ل٢٤٠٠ مولود .
٣: دعم برامج ثقافية في ١٣٠٠ مؤسسة عامة .
٤: كفل ٥٢ ألف فقير.
٥: يقوم بتوفير كومبيوترات ل ٢٠٠ ألف مدرسة .
٦: قدم درجات هوائية ل لعشرة ألاف طالب يعيشون في المناطق الريفية .
٧: قدم منح جامعية ل١٥ ألف طالب جامعي .
٨:خلال عشرة أعوام أرسل ١٦٥ ألف طالب للجامعة وتحمل نفقات دراستهم.
٩: يقيم احتفال سنوي بمناسبة اليوم الوطني للمكسيك , يتكفل بحضور عشرة آلاف طالب إلى العاصمة مكسيكو ستي من المتفوقين , الذين تلقوا منحا دراسية. يدعو سنويا لهذه الاحتفالية شخصيات عالمية مرموقة مثل: كلينتون ومانديلا وغرباتشوف وبليه ومادلين اولبرايت وكوندليزا رايس وغيرهم الكثير.
تقام الاحتفالية تحت عنوان :"التعليم أفضل هبة يمكن ان تقدم للآخرين "
على الرغم من كل هذه الأعمال الخيرية فان كارلوس سليم لم ينتبه إلى سقف أيتام أم جواد في العراق!!. السقف الذي لم يكتمل بحسب آخر رسالة وصلتني من تلك المؤسسة العراقية , التي ادعوها إلى الكف عن مراسلتي بعد هذا المقال والتوجه إلى كارلوس سليم أو أمثاله من المحسنين الدوليين , إذ هم يئسوا من أغنياء العراق الجدد !!.
"الما يسوكه مرضعه سوك العصا ما ينفعه ".
كم كنت أتمنى ان يستثمر أغنياء العراق أموالهم في تطوير التعليم العالي والأكاديمي , وتخصيص القليل من أموالهم في البحث العلمي الذي سيطور البلد ويضاعف ثرواتهم , ويساعدوا من حولهم من الفقراء.بدل ذلك توجه بعض أغنياء العراق الجديد لإنشاء فضائيات وصحف ومواقع الكترونية , بعضهم اشتروا كتابا يلمعون بالفرش والأقلام صورهم وينبرون للدفاع عنهم!!. وسائل الأعلام التي أقاموها تسهم بسد عوراتهم وتغطي عن تجاوزاتهم وسرقاتهم ولصوصية البعض منهم !!.
وتسهم بتسقيط وفضح خصومهم ومنافسيهم "والله خوش أعلام كامل الزفر"
بعد كل انتخابات لمجالس المحافظات أو للبرلمان يزداد عدد اللصوص وتتسع ظاهرة الفساد والخمط , وتزداد أعداد الفقراء , وينتشر الفقر بظل غلاء قاتل.
الوفاء شيمة العراقيين ولكن
كتب كلنتون في كتابه في الصفحة١٦٣ " عندما أصبحت رئيسا غادرت اركنساس- وهي الولاية التي كان كلنتون يسكنها قبل توليه الرئاسة - باتجاه البيت الأبيض وضعت شفرة جديدة خاصة بأصدقائي المقربين. كي تصلني رسائلهم مباشرة دونما تأخير في زحمة البريد " ما أروع الوفاء إذا طبع شيمة الإنسان .لا اشكوا لغير الله من صدود من اعتلوا بعض كراسي المسئولية , وبعض من تقربوا من مصادر القرار , وكانوا أصدقاء وبعضهم مقربين , أول شيء فعلوه غيروا أرقام هواتفهم وايميلاتهم , وأقاموا شبكة علاقات جديدة, اغلبهم طلقوا زوجاتهم وتزوجوا, تاركين زوجاتهم رفيقات رحلة النضال والشقاء , وتزوجوا نساء يتوافقن ومناصبهم الجديدة .."زوجه على الموضه " إلى الله المشتكي , أغنانا الغني الكريم عنهم وعن علاقاتهم الجديدة .
المؤسسات التي تعنى بشؤون أيتام العراق ينتظرون من بعض هؤلاء "الغيرة سزية " عطاء !!.
"حيثما يوجد السكر يكثر النمل"
مقالات اخرى للكاتب