في يوم الصحافة الكوردية، هذه المناسبة الغالية على القلوب، لابد ان نكرر إن الإعلام الرشيد، يبني النظام الديمقراطي السليم، لانه ينتهج الموضوعية والصدق والنزاهة، ويتحدث بلغة الوضوح والشفافية، ويبتعد عن التشويه والتشهير والتعتيم ويتعفف عن التضليل والزيف والخداع، ويسهم في بلورة الرأي العام، وتنوير الناس وزيادة معارفهم وثقافاتهم عبر المعلومات المتنوعة، وعندما يطلق عليه في الكثير من البلدان بالسلطة الرابعة، لا لشيء، إلا لكونه حلقة الوصل بين الشعب والحكومة وبين الشعب والشعوب الاخرى، وعندما اختار الكوردستانيون الديمقراطية كمنهج للبناء والحياة، كان لابد من ان يبعث الاعلام بكل وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية، الطمأنينة وروح السكينة والهدوء في أبناء الشعب...
لا أريد أن اتحدث عن دورالصحافة الكوردية والصحفيين الكوردستانيين الذين حافظوا لعقود طويلة على نقاوة الرسالة القومية والوطنية التي حملوها، وجهودهم المخلصة في اشاعة الثقافة ونشر المفاهيم المدنية، ومشاركاتهم الفعالة بالكلمة والبندقية في الثورات والانتفاضات الكوردستانية، ولكني أريد أن اتحدث عن المأزق الاعلامي المفجع الذي نعيشه هذه الايام جراء شيوع موجات التشظي الفكري غير المبررة والمزايدات الاعلامية التي قفزت الى الواجهة لاسيما في المرحلة الحالية التي نحارب فيها عدوا شرسا يملك إمكانات هائلة، ونواجه مشكلات إقتصادية كبيرة..
هذا التشظي الذي يسميه البعض جزافا بحرية التعبير، نلمسه بوضوح في التصريحات الصحفية والمقالات والدعوات العلنية للحرب الأهلية وإثارة الفتن وإحياء التفرقة وتقسيم الاقليم الى ادارتين، التي لاتعدو في حقيقتها محاولات خيانية تجاه الشعب والوطن وتنفيذا للاجندات والسياسات التي ينتهجها اعداء كوردستان.
أصحاب تلك التصريحات والدعوات الباحثين عن الشهرة، والمنجرين وراء حمى الصراعات المفتعلة التي اوجدتها الانانية بحجة حرية الرأي، والرأي والرأي الآخر، يرتعون ويلعبون مع الاسف الشديد في (بعض) القنوات الاعلامية الحزبية وفي الصحافة التي تدعي انها حرة، وكذلك في (بعض) القنوات الفضائية (التي تدعي إنها مستقلة)، فيفتعلون أزمات تلو أزمات، عن دراية أو جهل يساهمون بجهودهم لصالح أعداء كوردستان ورغباتهم الدنيئة في توجيه الصحافة الكوردستانية نحو تصارع كوردي ـ كوردي لا طائل منه. كما يستغلون الفضاء الديمقراطي والحرية السائدة من أجل تضخيم الثغرات وإفتعال المشكلات لدواعي التصيد في الماء العكر، وبذلك يؤكدون على أنهم أبواق مأجورة وأقلام مزيفة تعمد إلى قلب الصور الى اشكال مغايرة بعيدة عن حقيقتها، ويمارسون دورا مخزيا ومسيئا، ويعرضون أقلامهم وأصواتهم في سوق النخاسة للكلمة الوضيعة والضحلة.
وثمة عشرات الحالات التي تكشف وتفضح أكاذيب وأوهام هؤلاء، وترفع الستار عن مستوياتهم المخزية، وخاصة عندما يتجاوزون حدود الذوق والأدب والخلق الرفيع، ويختارون التشنج والاسلوب التخويني والمنهج المتطرف، والشتائم والبذاءات اللفظية والمصطلحات السوقية والعبارات الشائنة المتدنية..
وعلى خلاف هؤلاء نجد أناسا رائعين يعملون في المجال الصحفي والاعلامي، أناسا يمتلكون أقلاما نظيفة وخيرة، يأبون إستصغار ذواتهم وإذلال أقلامهم وأصواتهم أمام المغريات، يعتزون بوطنيتهم، ويراعون أخلاقيات المهنة والذات الانسانية والسلوكيات التي ترتبط إرتباطا وثيقا بالثقافة والمعرفة والادراك، ويعون ضرورات المرحلة ومهامهم الكبيرة والمؤثرة.
بقراءة بسيطة، وإستقراء لواقع حال الصحافة في يومها، نقول: اننا مطالبون أكثر من أي وقت، بضرورة الحفاظ على وحدة البيت الكوردي، وممارسة دورنا الرقابي والتوعوي والتوجيهي بجرأة، لنكون حقا أعضاء في السلطة الرابعة، ونصارح أنفسنا والرأي العام بمتطلبات وضروريات المجتمع المدني المتحضر.
ونهمس في آذان بعض زملائنا: إن كنتم لا تستطيعون أن تكونوا أزهارا، فلا تكونوا أشواكا ...
مقالات اخرى للكاتب