في النظم البرلمانية الكل في مؤسسات الدولة الديموقراطية يعرف مدى حجمه وقدرته ودوره واهميته وحدود مسؤولياته وصلاحياته , وفق القانون والدستور , واذا حدث تجاوز او خرق , فان القانون يكون له بالمرصاد , فان تقسيم المسؤوليات من صلب الحياة الديموقراطية , إلا في العراق تختلط الاوراق والصلاحيات والمسؤوليات , في تخبط وفوضى عارمة , فقد تتبدل المعايير والمقاييس حسب الصبغة الطائفية والفئوية والحزبية الضيقة , وتغليب هذه الصبغة فوق اي اعتبار اخر , فبدلا من ان تكون هذه المؤسسات الديموقراطية التي اختارها الشعب طواعية , بان تكون عامل مساعد لتطوير وتنمية وبناء البلاد على جميع الاصعدة والميادين , ومنها الاستقرار السياسي , وتعميق هذه المؤسسات الديموقراطية لخير ومنفعة للبلاد , فانها تصبح في عراق اليوم , عامل اعاقة وبؤر للتوتر والاحتقان السياسي , ويختلط الحابل بالنابل وتضيع المعايير . فمن يحاسب السلطة التنفيذية ( رئاسة مجلس الوزراء ) اذا انحرفت عن مسارها , ومن يحاسب السلطة التشريعية ( البرلمان ) اذا انحرفت هي ايضا . اذا كان كل طرف يفسر الدستور لمصلحته ومنفعته الخاصة . واذا كان السلطة التنفيذية ( رئاسة مجلس الوزراء ) يتهم السلطة التشريعية ( البرلمان ) بالتقاعس والخمول والفشل والعجز , وتغليب الطابع المصلحي في تنفيذ دوره الرقابي والتشريعي في الحياة السياسية , ويتهم بان البرلمان خرج عن دوره الاساسي في تنشيط الحياة السياسية والتشريعية لصالح البلاد . بينما رئاسة البرلمان يتهم رئاسة مجلس الوزراء , بانه يهدف الى اعاقة عمل البرلمان بالتعالي والازدراء والغطرسة والاستخفاف , ومحاولة اسفافه وحرفه عن مسؤولياته وصلاحياته , بحيث لا يستطيع استضافة في قبة البرلمان القادة الامنيين , من اجل الوقوف على اخر التطورات وابرز المواقف والحلول للوضع الامني , ومناقشة اسباب تدهور الحاصل في الملف الامني , وذلك بتصاعد وتيرة تصاعد العمليات الارهابية الحاصلة في عموم المحافظات , ففي يوم واحد من الايام الدموية الاكثر بشاعة بقتل الابرياء في ( 4 ) محافظات ومنها بغداد , وذلك بتفجير 15 سيارة مفخفخة , راح ضحيتها اكثر من 417 قتيل وجريح , وحسب تقرير بعثة الامم المتحدة في العراق في ( الثاني من ايار 2013 الحالي ) بان شهر نيسان الماضي , كان الاكثر عنفا ودموية , واكدت بان لايقل عن ( 2345 ) عراقيا سقطوا بين قتيل وجريح في اعمال عنف طالت مناطق متفرقة من البلاد . رغم هذه الفواجع الكبيرة , يستمر التراشق الاعلامي العنيف بتبادل التهم والمسؤولية والتقصير , بين رئاسة مجلس الوزراء ورئاسة مجلس النواب , بينما البلاد تغوص في وحل الارهاب والقتل الجماعي , بمسلسل دموي مرعب يطال المواطنين الابرياء بمختلف انتماءاتهم الطائفية والدينية والعرقية والمذهبية والسياسية , بحيث يجعلونا نندم على حظنا العاثر , باننا ولدنا في العراق المنكوب والمسلوب والمفقود , ويدمر بيد ابناءه دون رحمة او شفقة او تأنيب للضمير , وبضياع الوطن وتمزيقه , كأن الوطن صار ملك لطائفة واحدة او لحزب واحد او لفئة محدودة واحدة او لمجموعة واحدة من اللصوص والمحتالين , الذين يلهثون وراء المال الحرام والشهرة ,, فمن مهازل الزمن الرديء الذي اصاب العراق بطاعونه , ان تصل الامور بالقائمين على شؤون العراق والعراقيين , ان يتراشقوا بالاعلام دون ان يبحثوا عن مخرج لهذا الوضع المرير , , نتابع بروح الاحباط والسخط تبادل الاتهامات بين رئيس الوزراء , ففي المؤتمر الصحفي يتهم رئيس الوزراء , مجلس النواب بالمشاركة في تأزيم الاوضاع الامنية ( ان كل الاداء الذي قدمه مجلس النواب , كان واحدا من الاسباب التي أزمت الاوضاع في البلاد ) وان مجلس النواب ( شريك اساسي في الاضطرابات التي تشهدها البلاد ) في حين يرد مجلس النواب بالصاع صاعين لهذه الاتهامات , ويعلن محمد الخالدي مقر مجلس النواب بان ( رئاسة المجلس ستلجأ الى مقاضاة رئيس الوزراء على اكثر من قضية , اقلها سعيه الى الاخلال بعمل المؤسسات الدستورية , وانه وجه اهانة للمؤسسة الدستورية الاهم في الدولة العراقية ) بين هذا وذاك يضيع الدم العراقي , ويعبث العابثون , وتضيع هوية الوطن في متاهات الطائفية والحزبية المتعصبة . فمن يترحم على وطن مقتول.