تشوه الشخصية العراقية بين القسوة السياسية المتوارثة و العنف الأسري ـــ مهدي قاسم
إذا كان لأنظمة القمع المتعاقبة ـــ بما في ذلك تأثيرات أزمنة الحروب و الحصار ــ في العراق دورها الكبير والمعروف في تشظي وتشويه الشخصية العراقية ، على صعيد ممارسة العنف بكل أنواعه الجسدية و النفسية على حد سواء، و من ثم قبول هذه الممارسة كسلوك اجتماعي شائع ومقبول في المجتمع الذكوري ولا سيما بين الأوساط والفئات الاجتماعية المعانية من ضروب الجهل و التخلفــ دون أن يعني ذلك عدم ممارسته بين فئات مثقفة أو مرفهة ـــ حيث ترسخ نهج ممارسة العنف بشكل واسع ، فإن للأسرة العراقية دورها أيضا في تنامي و تفشي أعمال العنف بين أفراد الأسرة العراقية ، وبالأخص ضد المرأة والطفل *، كمخلوقات ضعيفة لا تجيد الدفاع عن نفسها في عالم ذكوري مهيمن و قاس ومستبد باطش ، وذات عقلية مشبعة بتقاليد و بقايا القيم البدوية القائمة على الغلاظة والخشونة و القسوة ..
و قد عبر عن نفسه هذا النهج السائد من ممارسة العنف في عالم السياسة و في ضراوة النزاع والصراع بين الأحزاب المتعادية **فيما بينها أيضا ـــ وضمن آليات عنف مختلفة وحشية مورست من قبل أجهزة القمع السياسية للأنظمة السياسية المتعاقبة ضد الأعداء و الخصوم السياسيين من المعارضين أو المختلفين عقائديا و أيديولوجيا ، وقد انتقل نهج هذا العنف بين أجيال عراقية متعاقبة و عبر عقود طويلة ، بينما اعتبرها القانون حقا لا يعد جريمة ***،بحيث أصبح هذا النهج ، أو بالأحرى تلك الممارسة سلوكا ثابتا عند الشخصية العراقية و باتت مشبعة به في سلسلة من ممارسة تعبر عن نفسها حتى في نبرات الصوت المتشنجة للرجل العراقي الآمرة و الملعلعة غضبا و توبيخا و إساءة واهانة و تهديدا بالعقاب المتوقع ضد النساء و الأطفال وهي تتجسد معبرة عن نفسها ضمن
حالات من العصبية والتوتر و الغضب و التشنج النفسي ..
ومن الجدير بالملاحظة إن الطفل العراقي الذي يتعرض للعنف الأسري وكذلك الطفلة أيضا ـــ فأنهما ـــ وضمن تقليد متوارث أبا عن جد ، فهما بدورهما يمارسان هذا السلوك من العنف الأسري و الاجتماعي ـــ طبعا ـــ ضد الحلقة الأضعف في المحيط العائلي أو البيئة الاجتماعية الأخرى التي ، حيث ينشئون فيها ضمن تقليد راسخ ، بات متوارثا وشائعا و عاديا من تقاليد العنف و التعنيف المتوارثة ..
و هكذا الحال و الانتقال من جيل إلى أخر ..
وكل ذلك يجري ــ ضمن تصور زائف أو وهمي ــ تحت ذريعة التربية العائلية أو العقائدية المزعومة ، من أجل حماية الأسرة من التفكك و الانحلال ، أو انطلاقا من ثوابت و قيم اجتماعية " صالحة "وضرورة ترسخها في نفوس وأذهان الناشئة من بنات و بنين .
مع العلم إن أغلب الدول و المجتمعات المتمدنة ، قد أوجدت أو بالأحرى قد شرعت قوانين و بنودا تجرم ممارسة و استخدام أعمال العنف ضد الأطفال و النساء ، وخاصة في حالة الأطفال ، حيث تقوم الدولة بتجريد العائلة من أطفالها في حالة تكرار عملية استخدام العنف ضد هؤلاء الأطفال ..
لذا فقد آن الأوان أن يقوم رجال القانون و المختصون في شؤون علم الاجتماع في العراق بتشريع حزمة من قوانين و بنود تحظر من خلالها استخدام أي نوع من العنف الأسري في المجتمع العراقي ، على أن يعقب ذلك تثقيف اجتماعي واسع بين فئات و شرائح اجتماعية التي تنتشر بين صفوفها أعمال العنف ضد الأطفال و النساء أن يجري وذلك بتعاون مع وسائل الصحافة والإعلام المقروءة و المسموعة أو المرئية ، ووزارة التربية ، و ذلك بغية نشر ثقافة ووعي ضرورة رفض ممارسة العنف الأسري ، و نبذه بشكل نهائي ،و اعتباره أسلوبا سلبيا و فاشلا في التربية العائلية و الاجتماعية ، لكون الأطفال يتعوّدون على عملية الضرب و أساليب العنف ، دون أن تردعهم و تثنيهم عن القيام بأعمال الشيطنة والوقاحة و الأفعال الأخرى المزعجة أو المضرة ، في نفس الوقت يتشبعون بها كسلوك يمارسونه فيما بعد بحق غيرهم أيضا ..
و هنا يجب أن لا ننسى دور المختصين في مجالات علم الاجتماع و النفس ، كعوامل مساعدة على نشر ثقافة نبذ العنف الأسري و الاجتماعي ....
بل رفض و نبذ حتى العنف السياسي بكل أنواعه، والذي رافق المجتمع العراقي منذ الخمسينات من القرن الماضي ليشتد ضراوة ووحشية في أقسى صورها بربرية ، مثلما نعيش الآن لحظاتها الرهيبة من هوس القتل الجماعي و التدمير الواسع ..
إذ إن من ينشأ على العنف منذ نعومة أظفاره و يتشبع به حتى النخاع ، لابد أن يمارسه هو الأخر على غيره ، ضمن حالات ومواقف معينة عندما يجد ذلك ضروريا ــ بناء على متطلبات مصلحته أو مزاجه المتقلب ــ من أجل غايات و أهداف معينة ، ولا سيما من أجل الحصول على السلطة و المال ..
• ولكن المضحك و المبكي في هذا الأمر هو قبول استحسان بعض النساء اللواتي تحدثنا معهن ممارسة استخدام العنف ضدهن من قبل الرجال و ذلك انطلاقا من ذريعة الاحتفاظ على التماسك الأخلاقي و القيمي للأسرة العراقية ضد عوامل التفكك و الفساد القادمة مع القيم " الغريبة " المحمولة فوق موجات التقنيات المتطورة للتواصل الاجتماعي كموبايل و الإنترنت و الفضائيات و غيرها ..
• **وصلت حالة التشوه النفسي ـــ الأنف الذكر ـــ عند الشخصية العراقية على صعيد ممارسة العنف ضد الأخر ، إلى درجة يقدم العراقي على قتل العراقي الأخر ، و ذلك بناء على الهوية المذهبية أو العرقية أيضا ، وبدون أية مبررات أو دوافع أخرى أو موجبة ، مع أنه قد يكون القاتل أول مرة يلتقي مع ضحيته البريئة ..
• ***( لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق مبرر بمقتضى القانون و يعتبر استعمالا للحق :
• 1 ـــ تأديب الزوج زوجته و تأديب الآباء و المعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر ما هو في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا " من كتاب قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وما أصابها من قرارات سلطة الائتلاف المؤقتة2003 ــ2005 أعداد القاضي / نبيل عبد الرحمن حياوي .
• فتصوروا حتى قانون العقوبات الجزائية يجيز استعمال العنف ضد الزوجة و الأولاد القصر تحت ذريعة تأديب ، ونظن بأن قانونا كهذا لا يوجد في أي بلد أخر خارج العالم الإسلامي و العربي
مقالات اخرى للكاتب