في زمن اضطراب الأوضاع الأمنية ، وعجز الأجهزة الرسمية عن حصر السلاح بيد الدولة ، واخفاقها في ملاحقة عناصر الجماعات المسلحة والميليشيات بجميع اصنافها واشكالها وارتباطاتها الخارجية ، يفرض السلاح سطوته على كل مظاهر الحياة ،فتتجسد بشاعته بالقتل على الهوية ، ورسائله وصلت الى ذوي الضحايا ، لتشير الى عودة الاحتقان الطائفي وفتح صفحة اخرى سوداء، لطالما حمل العراقيون الجهات الرسمية والسياسيين مسؤولية غلقها الى الأبد بتشخيص أسبابها وملاحقة الجهات التي تقف وراءها عبر اعتماد خطط جديدة في ادارة الملف الامني ، والعمل على تسوية الخلاف السياسي ، لأنه باعتراف من ادعى الإيمان بالعملية السياسية، بانه العامل الرئيس في تهديد السلم الاهلي ، وانجرار البلاد نحو منزلق خطير.
ربما يكون العراقيون هم الشعب الوحيد في العالم يجيد قراءة رسائل القتلى ، وليس بالضرورة ان تكون مكتوبة ، او مرسلة عبر الهاتف النقال ، فاختطاف شخص ثم العثور عليه في ثلاجة جثث الموتى ، يعد رسالة واضحة للكشف عن فصل مأساوي مستمر منذ سنوات ، الرسائل تصل بسرعة الى ذوي الضحايا ، حين يكون الهاتف مغلقا او خارج التغطية ، ومع ساعات الانتظار وقد تمتد الى أيام ،يدب اليأس في النفوس من عودة الغائب ، ويبقى الامل الوحيد العثور على الجثة ، وإقامة مجلس عزاء على روح المرحوم .
امام مستشفيات العاصمة ، وفي كل وقت ، يتجمع أشخاص ونساء من مختلف الأعمار للاستفسار عن شخص فقد منذ ايام ، وبعد الحصول على الموافقات الأصولية وتسجيل الحادث في اقرب مركز للشرطة ، يسمح لهم بالاطلاع على قائمة تضم اسماء القتلى ، اما مجهولو الهوية فيتم التعرف عليهم بالدخول الى ثلاجات حفظ الجثث ،كمحاولة اخيرة لمعرفة مصير الغائب .
ام كرار في الثلاثين من عمرها فقدت زوجها سائق سيارة الاجرة في العاشر من الشهر الجاري ، زارت جميع المستشفيات في بغداد ، وحتى هذه اللحظة لم تعرف مصيره ، ويشاركها في المحنة ذاتها رجال ونساء من احياء متفرقة فقدوا أبناءهم ،الجميع يشترك في مأساة واحدة ، فتبادلوا الحديث عن المحنة ، لشعورهم بان الإفصاح عن الهموم في لحظات الترقب والانتظار قد يجدد الامل في نفوسهم في تحقيق معجزة العثور المفقود.
المتجمعون امام المستشفيات تسلموا رسائل القتلى ، وما تبثه وسائل الإعلام من أنباء حول العثور على جثث مجهولة الهوية موثوقة الأيدي، وبدت عليها اثار رصاص اطلاق نار بالرأس يختزل مضمون تلك الرسائل ، ومع تزايد اعداد الباحثين عن المفقودين ، يعلن المسؤولون وكعادتهم بان الأوضاع الأمنية مستقرة ، وما تذكره "الفضائيات المأجورة " يهدف الى إضعاف الروح المعنوية ، لغرض زعزعة ثقة ابناء الشعب بقيادته الحكيمة ، ونجاحها في تحقيق منجزات ومكاسب تاريخية ، تحلم بها شعوب المنطقة ،والخطاب الرسمي يحاول دائما ان يصور بان الاحداث التي تحصل في العراق مقتطعة من فيلم هندي ولا اثر لها على ارض الواقع ويا عواذل فلفلو.
مقالات اخرى للكاتب