المتابعون للملف النفطي، يعلمون أن الحكومة الإتحادية وافقت، على قيام حكومة الإقليم بتطوير قطاعي النفط والغاز في حقول النفط الجديدة، بجميع مفرداتها من تنقيب وتصنيع وتسويق (في حالة تأخر تشريع قانون النفط والغاز بعد 2007 )، ويعلمون أن الدستور العراقي، حدد في الفقرات المتعلقة بالموارد الطبيعية لاسيما النفط والغاز، العلاقة بين بغداد وإقليم كوردستان وصلاحياتهما، ولكن الإخفاق البرلماني في تشريع (قانون النفط والغاز)، وفشل القطاع النفطي في العراق، والحقد الشخصي الدفين لمسؤول ملف الطاقة الاتحادي السيد حسين الشهرستاني تجاه الإقليم، وإصراره على ان يكون البيع من قبل شركة سومو التي تدار مركزيا من قبل الحكومة الاتحادية دون أن يكون للكورد تمثيل فيها لرسم سياستها، كان وراء تعقد المشكلات وتراكمها وإرتفاع وتيرة التوتر بين بغداد وأربيل، والتساؤل عن مستقبل إقليم كوردستان السياسي، ضمن دولة فدرالية عراقية موحدة..
حكومة الإقليم أعلنت أكثر من مرة عن حسن نيتها وقدمت مبادرات عدة، لكن الحكومة الاتحادية السابقة، تعنتت وأرادت فرض رأيها الخاطىء، وعرقلة الصفقات والعقود المبرمة بين الأقليم والشركات الاجنبية والدول التي ترغب الاستثمار في الاقليم وشراء النفط الكوردستاني، ووصفت إنتاج النفط وتسويقه ببيع الطماطم والخيار، ولجأت الى التهديد والترهيب ورفع الدعاوى لدى المحاكم المحلية والدولية، ولأنها لم تكن على حق، ولأن تصرفات الاقليم كانت دستورية، أصيبت بخيبة الامل ولجأت الى حرب إقتصادية وسياسية ضد الاقليم وإجراء غير دستوري وغير قانوني بل وغيرأخلاقي، فقطعت حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية ورواتب موظفيه، وهذا الاجراء الاستفزازي دفع الاقليم الى تصدير النفط لحسابه الخاص، تعويضاً عن حصته من الموازنة الاتحادية ولدفع رواتب الموظفين العموميين.
واحتدم الصراع بين الإقليم والحكومة الإتحادية، وإنتقل الخلاف، الى مراحل حرجة ومستويات خطرة، والى تضارب المصالح، ولكن حكمة وذكاء القيادة السياسية الكوردستانية وتحلي الكوردستانيين بالعقلانية والصبر، والإجماع الوطني والاقليمي والدولي على إزاحة نوري المالكي ومنعه من الولاية الثالثة، أنعشت الامال، وإتجهت الجهود نحو البحث عن حلول للمشكلات، وعندما أزيح المالكي وتشكلت الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور حيدر العبادي وشارك الكوردستانيون فيها، وتولى السيد عادل عبد المهدي وزارة النفط الاتحادية، تفاءل الجميع، وأصبح الحل قاب قوسين أو أدنى، وتم تبادل الإتصالات ووجهات النظر، وفي أول زيارة للسيد عبد المهدي لأربيل تم التوقيع على إتفاق أولي بشأن الخلاف على النفط والغاز، إتفاق حظي بترحيب واسع من أطراف وطنية ودولية، إتفاق يفتح الطريق للبدء بوضع حلول (شاملة وعادلة ودستورية) لجميع القضايا العالقة بين بغداد واربيل..
اما الشواهد والقرائن فجميعها تدل على أن التوقيع على هذا الإتفاق الأولي، يغير واقع الحال، وسيخفف الهجمات اللفظية المتبادلة، وربما يمد جسور الثقة بين الطرفين بعد سنوات من الشكوك والخلافات، وسيردم هوة الانقسام ويعالج الأخطاء، وسيدفع باتجاه توحيد الصفوف من اجل التفرغ للمعركة المصيرية مع داعش وابعاد البلاد عن الكوارث، ويدل على وجود إرادة لا تدع مجالاً للشك في امكانية تجاوز الخلافات التي أوقعت بالكوردستانيين الكثير من المظالم ودفعتهم في الوقت ذاته إلى التعلق بفكرة الاحتماء بالدستور لاختيار صيغة اخرى للعلاقة مع بغداد، دون استبعاد مبدأ حق تقرير المصير والاعلان عن دولة كوردية تجنبهم ويلات تلك المظالم ومظالم أخرى متوقعة.
مقالات اخرى للكاتب