أفعال داعش العدوانية في العراق وفر مساحة واسعة امام الفنان العراقي مهما كان اختصاصه بتوثيق جرائمه بالقلم , بالصورة , بالموسيقى, بالريشة, بالغناء , و بالتمثيل. داعش اعطى الفرص لكل هذه المواهب , لان داعش اوغل بدم الأبرياء والعزل من جميع المكونات العراقية , دمر المدن وخرب البيوت , خرب بيوت العبادة لكل الطوائف والمذاهب , خرب الاثار التاريخية أينما يحل وهي ملك للبشرية , خرق العاطفة الإنسانية فألب الجار على جاره والابن على ابيه والفرد على عشيرته . داعش قتل الأبرياء في المساجد والحسينيات , في الأسواق والمتاجر , في المستشفيات وفي المجمعات الحكومية باخس الطرق وبوحشية لم يعرفها العالم من قبل . اصبح تفجير السيارات المفخخة والتي هدفها قتل اكبر عدد من الأبرياء هوايته المفضلة , خاصة اذا حاول الناجين من الانفجار إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المغدورين حتى يفجروا بهيمة أخرى في وسطهم ليحصدوا اكبر عدد ممكن من الأرواح التي حرم الله قتلها الا بالحق. داعش يريد القضاء على الرحمة والشهامة والعطف والاخوة بين البشر. داعش يريد ان تاكل السيارات المحروقة أجساد البشر , والاخرون ينظرون لهم لا حول لهم ولا قوة .
جرائم داعش حفرت اخاديد من الاحزان في وجوه العراقيين وتركت الالام في قلوبهم . داعش خلف اعداد كبيرة من الشهداء , الجرحى , المعوقين , المفقودين , الايتام , والارامل . سبب هجرة اكثر من ثلاثة ملايين انسان اغلبهم يعيشون تحت الخيام يعانون من برد الشتاء وامطاره , كما عانوا من حرارة الصيف ولهيب شمسه المحرقة. الرجال خسروا وظائفهم واعمالهم , وخسرت النساء بيوتهن وعزتهن , وخسر الأطفال مدارسهم والشباب جامعاتهم . نساء يضعن في الخيام بدون رعاية صحية وأطفال يولدون وسط اطيان امطار الشتاء , ونساء ورجال مسنين ينقلون على الظهور لقضاء حاجتهم . انها كارثة إنسانية من صنع البشر الغير سوي .
جرائم داعش يجب ان توثق من اجل الحاضر والمستقبل . الصور التلفزيونية لطابور المهجرين وهم يعبرون جسر بزبيز لا يمكنها وصف معاناتهم الداخلية بدون فنان , والام التي يموت طفلها من بين يديها جوعا او من قلة الادوية لايمكن لصورة تلفزيونية توصيف حالتها بدون فنان بارع , والمدن التي تركها أهلها ودمرت بفعل الاعمال العسكرية تحتاج الى فنان لوصف الماساة , والأطفال الذين يلعبون من حول مخيماتهم يحتاجون الى فنان يسجل محنة ذويهم , والجندي الذي ترك زوجته واطفاله يحتاج الى فنان يرسم بريشته معاناته بعيدا عن البيت وامام العدو الغادر , وذاك الرجل السبعيني المتزين بلحيته البيضاء وهو متابط بندقيته ينتظر احدى الحسنيين يحتاج الى فنان يتحدث عنه ليكون فخرا تتباهى به الأجيال , وانتصارات قواتنا المسلحة المدعومة بالحشد الشعبي تحتاج الى فنان يسجل بطولاتهم لتكون اغنية على شفاف اجيالنا القادمة . كنا اطفال في عام حرب السويس وشبان في في حرب 7 حزيران وبعيدين عن ساحات القتال ولكن الاغنية الوطنية المصرية الهبت شعور المواطن العربي من الخليج الى المحيط وما زلنا نتغنى بها . من ينسى أغاني فائده كامل الحماسية , واناشيد أخرى مثل امجاد ياعرب امجاد , اصبح عندي الان بندقية , وطني الأكبر , الله اكبر , مدينة السلام للسيدة فيروز وعشرات من امثالها. الفن هو الذي يخلد الاحداث وبدون الفن تتلاشى الاحداث وتغيب عن الذاكرة . وطن بدون فن يسجل وقائع الاحداث فيه يصبح جسدا بدون روح . الامارات العربية أصبحت تجذب السواح بسبب التوسع في الفن المعماري , وأصبحت واشنطن قبلة السواح ليس بسبب تواجد الحكومة فيه وانما بسبب كثرة المتاحف ووالنصب التذكارية فيها . الولايات المتحدة الامريكية دخلت في حروب داخلية وخارجية كثيرة ولكن الفنان الأمريكي لم يترك شاردة او واردة الا وسجلها . الملايين من الكتب والمسرحيات والاشعار كتبت حول حرب الاستقلال , الحرب الاهلية , ومظاهرات الحقوق المدنية . النصب التذكارية وتماثيل الشخصيات السياسية والعسكرية والعلمية والاجتماعية تزين معظم الساحات العامة في المدن الصغيرة والكبيرة , ومتاحف لا يمكن احصاءها . وهاكذا اصبح المواطن الأمريكي يعيش الاحداث التي وقعت على ارض بلده بدون الرجوع الى الكتاب.
فن الرسم والنحت هو الذي علمنا عن حضارة وادي الرافدين , عن كيف كانوا يزرعون , كيف يتعاملون , وكيف يتحاربون . فن الرسم والنحت هو الذي سجل تاريخ مصر القديم , من حكم مصر , ومن حاربوا , وكيف انتصروا , ومع من تاجروا. الفن علمنا عن حضارة الصين وامبروطورياتها وطريقة عيشهم وتعاملهم مع الاخرين . وفن العمارة الإسلامية هو الذي جعل الحمراء قبلة الاوربيين في اسبانيا . فن الرسم الذي اشتهر به الاوربيين هو الذي وصف لنا حياة الاوربين في القرون الوسطى , ماذا ياكلون وماذا يشربون ويلبسون , ما اشكالهم , وكيف كانت طريقة معيشته وتعاملهم . وفن الرسم هو الذي جعل المونليزا اشهر امرأة في العالم . و فن التمثيل جعلنا نعيش الاحداث التاريخية ونعرف من هم ابطالها وأين مكانها , وما طبيعة علاقاتهم الاجتماعية , ملابسهم ,اسواقهم , كيف يتقاتلون , نوع أسلحتهم , وكيف يتعاملون مع اسراهم . بالحقيقة , لولا الفن لما عرفنا عن ثورة الحسين كثيرا. المنبر الحسيني له الفضل الكبير على تناقل قصة قتل الحسين من جيل الى جيل .
اعتقد ان الفنان العراقي من المحظوظين لانه لا يحتاج للتفكير عن موضوعه القادم , بغض النظر عن اختصاصه , لان الاحداث كثيرة . داعش اعطى فرصة لكاتب القصة السينمائية والتلفزوينة الكتابة عن جرائم داعش بحق الايزيديين , الكورد , الشبك , والتركمان الشيعة . وداعش اعطى للفنان الفرصة للكتابة عن بطولات من تحداهم من القوات المسلحة العراقية البطلة , الحشد الشعبي, أبناء العشائر , وقوات البيشمركة . داعش خلق للشاعر أجواء ليكتب عن بطولات العراقيين وتوحدهم ضده , وداعش اعطى الفرصة لكتاب الاغنية الوطنية بالكتابة عن بطولات وتضحيات العراقيين جميعا من اجل البلد , وداعش اعطى الفرصة للرسام العراقي توثيق معانات العراقيين من أفعال داعش , طفل يبكي اباه , طفلة تنتظر اباها خلف الباب , امراة ثكلى بابنها , رجل عجوز يمشي وراء جنازة ابنه الشهيد والاف من هذه الصور والمعانات الإنسانية , وأعطى داعش للنحات فرصة للتفكير لاقامة نصب لمجموعة من المحاربين وهم يرفوعون علم العراق على اطلال المدن المحررة , تماثيل لقادة المعارك , تماثيل رمزية لبطولة المقاتلين .
الفنان العراقي لم يكن بمستوى الحدث المدوي , لقد تخلف كثيرا عن أخيه المقاتل . كنا نامل من الرسام العراقي ان يتحفنا بريشته الجميلة لوحات من بطولات قواتنا التي تلاحق داعش في كل مكان , عن لوحات تصور لنا ولاجيالنا حجم الدمار الذي أصاب المدن المحتلة , لوحات ترسم معانات النازحين من أهلنا من الغربية , لوحات تصور لنا الجرحى في المعركة , ولوحات تصورشموخ قادة الجيوش وهم يلاحقون داعش . كنا نامل ان نسمع أغاني وموسيقى تطرب المواطن العراقي بانتصارات القوات المسلحة العراقية , وتشد من عزيمتهم , وكنا نامل من الرسام رسم البوسترات التثقيفية لطلاب مدارسنا تحمل صور انتصارات القوات المسلحة وهزيمة داعش من ارض المعركة , وكنا نامل من النحات العراقي نشر اعماله (من وحي المعركة) على الطرقات ليقضي المواطن وقت ممتعا لمشاهدتها , وكنا نامل من الممثل وكاتب القصة المزيد من التمثيليات ,المسرحيات ,و الأفلام الوثائقية التي تثقف المواطن العراقي عن جرائم داعش ومعانات المواطنيين الذين عاشوا تحت هيمنتهم . نعم , هناك ضرورة ملحة لان يأخذ الفنان دوره في هذه المعركة المقدسة وكل من يتخلف عنها سيكتب التاريخ عنه لانه لا يجوز للفنان العراقي ان يكون على الحياد .
الوطنية , الإنسانية , والدين تطالب الفنان ان يشمر عن مواهبه لخدمة المعركة وبنفس الوقت رسم الفرحة والسعادة في قلب المواطن العراقي . نعم , من الممكن للفنان الموهوب ان يخفف الاحزان وقلق وتوتر اهل المقاتلين من خلال مسلسلات تحكي عن المعركة ولكن بشكل كوميدي . ربما , سينتقدني احد القراء ليقول "عرب وين , طنبوره وين" , الكاتب يطالب بالفن والناس مشغولة بهمومها , وأقول لان هناك هموم واحزان , فيجب ان يكون هناك فنان موهوب يخفف الهموم والاحزان .
مقالات اخرى للكاتب