لم أفهم النائب علي الشلاه، وهو يقول إن وسائل الإعلام مغرضة ومدفوعة الثمن، لأنها قدمت إحصاءات عن نسب المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات، هل فعلا أن من يقدم استبيانات عن عدد الناخبين يريد تنفيذ خطط الإمبريالية الأمريكية، التي اكتشفنا بالصدفة أن السيد الشلاه يتهمها بتزوير الانتخابات البرلمانية السابقة لصالح قائمة إياد علاوي؟! أتمنى فعلا أن لا يكون الكلام الذي قاله الشلاه يمثل رأي ائتلاف دولة القانون، لأن هذا لا يعني سوى شيء واحد فقط: أن البعض من الوجوه المعروفة للائتلاف لا يريدون للناس أن تغادر عصر "القائد المؤمن"، وأنهم مصرّون على إلغاء السياسة، متصورين أن الطريق إلى السلطة يجب أن يفرش بالخرافات، وممارسة أخطر لعبة لا تزال الناس تدفع فواتيرها حتى الآن.. وهي لعبة خلط السياسة بالسذاجة. وإلا لا يمكن لأي عاقل تصور أن النائب علي الشلاه، وهو أحد المقربين من رئيس الوزراء، ورئيس لجنة الإعلام والثقافة البرلمانية، لم تصله التقارير التي نشرتها المفوضية العليا للانتخابات التي أكدت فيها انخفاض نسبة المشاركين في الاقتراع العام في عموم المحافظات.
وليس من المنطقي أن النائب الشلاه لا يعلم أن هناك منظمات عالمية وعربية ومحلية تابعت مسار الانتخابات، وخرجت بالنتيجة بعد متابعة استمرت لساعات طويلة، وهو الأمر الذي أكده المؤتمر الصحفي الذي حمل توقيع جميع أعضاء اللجنة العليا للانتخابات بمن فيهم ممثلو حزب الدعوة الذي ينتمي إليه السيد الشلاه.
إذن: ما الذي يدفع السيد علي الشلاه إلى شن هجوم بري وبحري وجوي ضد وسائل الإعلام، متهماً إياها بتحريف الحقائق،لأن الإقبال -على حد قوله- كان كبيرا من قبل الناخبين، وأن وسائل الإعلام تريد النيل من التجربة الديمقراطية التي يعد الشلاه أحد فرسانها.
وإذا كان حديث الشلاه عن الإعلام "المغرض" يضع أكثر من علامة استفهام كون المتحدث يرأس لجنة برلمانية مهمتها الدفاع عن الإعلام وتعزيز قدراته في المجتمع، فإن المثير للضحك هو الشق الثاني من تصريح الشلاه الذي اتهم فيه الولايات المتحدة بالسعي لتزوير الانتخابات السابقة، ففي فقرة مثيرة للدهشة يكشف لنا الشلاه سراً خطيراً هو أن "هذه الانتخابات لها خصوصية كونها جرت بعد رحيل القوات الأميركية التي تدخلت في الانتخابات البرلمانية خلال العام 2010، مما أثر بشكل كبير على نتائجها، إذ أرادت أن يفوز زعيم القائمة العراقية إياد علاوي بكل الطرق، بالحق أو بالباطل "!
ولأنني من المهتمين بمتابعة تصريحات السيد علي الشلاه "السنسكريتية" وتقلباته من خلالها ذات اليمين وذات الشمال فأنني لا أزال أحفظ تصريحه الذي أعلن فيه أثناء زيارة السيد نوري المالكي الولايات المتحدة الأمريكية ولقائه أوباما، فقد خرج علينا الشلاه آنذاك ليبشرنا أن السيد أوباما سعيد جدا بالخطوات التي يخطوها المالكي تجاه استقرار العراق وأن المالكي من جانبه يثمّن الدور الكبير الذي لعبته ولا تزال تلعبه الولايات المتحدة في تعزيز الاستقرار ودعم التجربة الديمقراطية في العراق.. تصريح الشلاه هذا كان في شهر كانون الاول من عام 2011، اي بعد عام من التزوير والخديعة التي مارستها امريكا ضد ائتلاف الشلاه
ولم أكتف بما قاله الشلاه، فقد رحت أبحث كيف تناول عظماء دولة القانون وعلى رأسهم حنان الفتلاوي قصة اللقاء بين أوباما والمالكي، فالكل كان يهلّل ويطبّل لما قاله أوباما للمالكي ولقصيدة الغزل التي تغنى بها المالكي بمحاسن أوباما، بل ذهب البعض منهم ليقول إنه يرحب بجهود أميركا في حل الأزمات السياسية في العراق، مثلما أتحفنا ذات يوم النائب عباس البياتي.. ولااريد ان اتهم الشلاه بعدم متابعة خطب رئيس الوزراء وتصريحاته فقبل اسابيع اتحفنا المالكي بمعلقة في مديح اميركا جاء في بعض ابياتها "العراقيين سيبقون ممتنين للدور الامريكي وللخسائر المتكبدة من الجيش الامريكي والمدنيين الذين ساهموا في القضاء على حكم صدام حسين "وان" "علاقات العراق مع الولايات المتحدة الأمريكية لم تنته بمغادرة القوات الامريكية فنحن شركاء".
تصريح الشلاه يثبت بالدليل القاطع أن الناس على حق حين لا تصدق السياسيين ولا تثق بهم، ويثبت أيضا أن مساحة انسحاب الصدق من الحياة السياسية تزداد وتتسع كل يوم، وأن دلالة حديث الشلاه وقبلها أحاديث لعدد من السياسيين تقول بوضوح إننا نعيش عصر التسالي الذي لن ينتهي إلا باختفاء سياسيي الصدفة الذين يسعون لخداع الناس بأي وسيلة حين يصرون على ابتكار كل الوسائل للضحك على عقولهم.
لقد كان المتصور بعد الخروج من مطحنة الانتخابات أن يسارع رجال دولة القانون لصناعة حالة من المصالحة المجتمعية والشراكة الوطنية، لكن تصريحاتهم الاخيرة تحولت الى مادة ثرية لما تحمله من عناصر إثارة وفواتح لشهية القراءة لما تتضمنه من مواقف وطرائف وفواصل ساخرة، واشتباكات وقدرات هائلة على التنكيت والتهريج في أحيان كثيرة.
مقالات اخرى للكاتب