حكام المنطقة العربية يعتقدون انهم اصحاب الصلاحية الوحيدة في اصدار الاوامر ، بدءا من دعوة المواليد لأداء الخدمة الإلزامية العسكرية ، وحتى تحديد النسل ، وتنظيم العلاقة الزوجية بين الرجل وامرأته، وبأوامر الحاكم ينزل المطر وينبت الزرع ،وتوزع الارزاق بين عباد الله ، ولا احد يعترض عندما يحصل خلل واضطراب ، فكل شيء مكتوب على الجبين وليس امام الرعية الا الاذعان والرضوخ لاوامر الحاكم ، واعلان الولاء والبيعة الدائمة له ، بوصفه حامي الارض والعرض ، والمدافع عن امن البلاد من اعداء الداخل والخارج .
للمرة الاولى في التاريخ العربي الحديث ، انطلق فعل الامر "ارحل" من الشعب موجها للحاكم ، في مواسم الربيع العربي ، في اكثر من دولة عربية ،بعض حكامها استجابوا للفعل ونفذوا الامر بالرحيل الى ملاذ امن مع اموال طائلة ، والصنف الاخر من الحكام ، ظل متشبثا بالسلطة منتظرا الدعم الدولي من الحلفاء لإنقاذه من ثورة "الغوغاء والرعاع " واستعداده لتقديم المزيد من التنازلات لأسياده ليقنعهم بأهمية وجوده للحفاظ على امن المنطقة ، ولكن الإرادة الشعبية حسمت الموقف وحققت التغيير ، وأعطت دروسا للآخرين من الحكام بان يستجيبوا لفعل "ارحل" ويتركوا السلطة معززين مكرمين ، وان يغادروا البلاد مع أسرهم وحاشيتهم واموالهم .
في بعض الاحيان ينطلق فعل "ارحل" من ارادة خارجية لتدارك ازمات سياسية وامنية ،وتأثيره يكون اقل مقارنة بانطلاقه من الداخل ، والفرق بين الاثنين كبير جدا ، مفردة "ارحل " الخارجية تتطلب التأييد الدولي وقرار مجلس الامن ، وسلسلة مباحثات واتصالات ، اما عندما يقول الشعب "ارحل " ويصر على اسقاط النظام ، فانه يختزل الزمن، ويجعل الحاكم يشعر للمرة الاولى بانه فقد صلاحية اصدار الاوامر ، وخلال ساعات قليلة يصدر تعليماته للمقربين لمغادرة القصر الجمهوري فقد حانت ساعة الرحيل .
وقائع التاريخ تقول ان الحكمة الاخيرة لدى الحاكم في لحظة اطلاق فعل" ارحل " تتمثل بمدى استجابته للطلب سواء كان خارجيا او داخليا ، وبخلاف ذلك ستكون العواقب وخيمة ، وقد يجر بلاده الى منزلق خطير ، وحينذاك لا تنفعه الشرعية ، ودعم الدول الصديقة ، الحكمة في اختيار القرار المناسب في الوقت الضائع ، والتوجه الى عاصمة خارجية ليقود من هناك" ثورة" العودة الى السلطة.
في الانظمة الديمقراطية خارج المنطقة العربية لاوجود لمفردة فعل الامر "ارحل " فالتداول السلمي للسلطة تقليد ترسخ منذ مئات السنين ، وبرامج الدولة ، جردت المغامرين من اية محاولة للقفز على الديمقراطية ، فضلا عن ذلك الانظمة هناك تحظى بتأييد شعبي واسع ، والجميع يشتركون بالوقوف على خط شروع واحد في دولة المواطنة ، وتلك الدول لم تشهد رياح الربيع العربي ، ولم يسمع حكامها فعل الامر "ارحل " الخاص بالمنطقة العربية وحكامها الأشاوس ، أصحاب الأمر والنهي.
مقالات اخرى للكاتب