كتب السيد ريان كروكير السفير الأميركي السابق في العراق وأفغانستان ، مقالا يوم 16 حزيران الجاري على موقع The cipher brief بعنوان " على بوابات الفلوجة " ، قال في مقدمته بإجابة مسبقة : تشكيلة من القوات العراقية طردت داعش من الفلوجة عندها سوف تبدأ المشكلة الحقيقية.
يحذر كروكير من تزايد صلاحيات الادارة الإيرانية للمعارك ولاسيما مع تعمد إظهار قائد فيلق القدس الجنرال سليماني في ميادين المعارك وفي الاعلام دون تردد. الاحتكاك بين القوات غير النظامية أو ما يسميها كروكير بالمليشيات الشيعية من جهة وبين بقايا المسلحين والمدنيين السنة هي احدىاهم المشاكل التي ستواجه العراق مستقبلا بحسب رؤيته.
يقول كروكير ، انه كان متواجدا في شهر مارس الماضي ببغداد عندما دخلت جماعة رجل الدين مقتدى الصدر الى المنطقة الخضراء لأول مرة مع عدم وجود وضوح في ماهية نية الدخول هذا . حينها كنت أعتقد بأن حكومة العبادي ليس لديها القدرة على ادارة الأحداث سواء في بغداد أو في الفلوجة ولكنني لم أكن أشكك في نوايا السيد العبادي ، فهو يعرف ماذا يجب ان يفعل لكي يعالج الطائفية والانقسام الاثني ، لكنه لا يمتلك القوة لإنجاز خطوات مثل قانون الحرس الوطني الذي سيجلب السنة الى هيكل القوات المساحة العراقية - الكلام هنا لايزال للسيد كروكير- فالإيرانيون ووكلائهم يسيطرون على الساحة السياسية العراقية كما هو في ساحة المعركة في الوقت الذي لايوجد فيه تواصل مع السنة.
حديث كروكير هذا يُبين مدى التنافس الامريكي الإيراني على العراق والمنطقة عامة ، كما ينبؤ بتوجهات أمريكية وإصرار على إخراج قانون الحرس الوطني الى حيّز الوجود وهو خطوة متقدمة جدا للانفصال على شكل أقاليم شيعية - سنية - كردية ، مع فرصة كبيرة للصدام المسلح بين تلك الأقاليم لعقود طويلة وبرعاية غربية.
يعود كروكير ليُعَّبٍر عن رؤيته الخاصة حول الأجندة الإيرانية في العراق واصفا إياها بأنها مبنية على أسباب الحرب العراقية الإيرانية المروعة بينعام 1980 وعام 1988. والإيرانيون أو العراقيون لا ينسونها أبدا. مذكرا بأن سليماني كان احد ضباط المشاة في الجيش الإيراني قبل فترة وجيزة من غزو صدام لبلاده وكان مقاتلاً ضد الجيش العراقي في تلك الحرب . وتخيلوا وقف القتال عام 1988 كان بالنسبة لإيران كتجرع كأس السم كما وفه القائد الأعلى الإيراني آنذاك آية الله الخميني.وبعد ربع قرن ترى ايران انها فرصة لانجاز نصر وسط عراق منقسم بشكل دائم ، وغير مستقر بشكل دائم ، وغير قادر مستقبلا على تهديد طهران مطلقا. في ثنايا كلام كروكير آنف الذكر ومن بين سطوره نقرأ أن توجهات الانقسام وعدم استقرار العراق وعدم قدرته على تهديد احد من دول المنطقة المجاورة او غيرها ، هي ماثلة في اذهان القادة والسياسيين الامريكان، والتي ستشكل سياساتهم وتوجهاتهم المستقبلية.
ونجد الرسالة أشد وضوحا للمتلقي العراقي ولاسيما السياسيين ، عندما يتناول كروكير موضوعة التقسيم وكيف ان الحرب الطائفية بين الهند وباكستان لم تنته الا بعد مقتل اكثر من مليوني شخص من الطرفين. بقوله :(( هناك الكثير من الحديث في الغرب عن ضرورة تعزيز فكرة الفيدرالية أو التقسيم حسب خطوط عرقية طائفية كحل لمشكلات العراق. كما نوه له السفير السابق في باكستان، أتذكر تقسيم الهند البريطانية في عام 1947، عندما قتل أكثر من مليوني شخص)). مردفاً : ((فكما هو العراق دموي الآن ، فانه سيكون أسوأ من ذلك بكثير اذا لم يتجه الى خيار التقسيم سواء في بغداد او ديالى او المناطق الشمالية حيث الكورد والعرب يتنافسون على الأرضي في ما بينهم)). إنها رسالة تخويف واضحة يريد ان يبعثها السفير الامريكي السابق للعراقيين ، فهو يؤكد:(عليكم فهمها قبل أن تفقدوا أكثر مما فقدتم من ضحايا ثم تعودوا للاقتناع بفكرة التقسيم ). مضيفا بانه بعد ان يتوقف نزيف الدماء اخيراً ، ستكون النتيجة ظهور (دولة شيعستان) في بغداد والجنوب تحت نفوذ إيراني ، وستنشأ (دولة جهادستان) متطرفة بدون موارد في الغرب، ودولة كردستان في الشمال تحت نفوذ ايراني متزايد وإشكالية للغاية في العلاقة مع تركيا. وكل هذا من شأنه إدامة الحرب الأهلية السورية وزعزعة الاستقرار في المنطقة على المدى الطويل. ومن شأن ذلك أن يكون لصالح إيران ، ولن يكون ذلك لصالحنا أو لصالح حلفائنا في المنطقة.يسترسل السفير الامريكي السابق في حديثه مشيرا الى أن تنظيم الدولة الإسلامية لم يهدد إيران أبدا ، ولا حتى لفظيا . بدلا من ذلك ، فقد كانذريعة مفيدة لها في سوريا والعراق ، حيث سمحت إيران لقيام ميليشيات تستجيب لطهران ، ولا تستجيب لبغداد ، التي من الممكن أن يقوم سليماني بممارسة عمله هنا بدونها ، ولكنه معها يكون الطريق بالتأكيد أكثر سهولة.
التلويح بالمخاطر التي يبدو أنها ليست بهذا المقدار من الحجم يحذر منها السيد السفير بالقول : ((خلال زيارتي الأخيرة للعراق، وجدت العراقيين من جميع الطوائف يشعرون بحرج أقل من القلق إزاء تنظيم الدولة الإسلامية من ما سيأتي بعدها ، فالسنة كانوا يخشون مما هو آت ، وهو الذي يحدث الآن في الفلوجة – حيث تمسك الميليشيات الشيعية زمام القيادة في قلب المناطق السنية)).السيد كروكير ، يرى أيضا في مرحلة ما بعد داعش ، بأن العديد من الشيعة سيتملكهم الخوف ، فبمجرد هزيمة الدولة الإسلامية في العراق سوف تتحول الجماعات الشيعية المسلحة الى التصادم فيما بينها ، وهو سوف يشعل حربا أهلية شيعية تتمخض عن ذلك ، وهو ما حدث في بلدان كثيرة كما هو الحال مع فصائل المجاهدين الأفغان بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي. وقد حدثت بالفعل مناوشات شيعية داخلية شمال بغداد. الأكراد منقسمون بشدة في ما بينهم ، وهنالك خشية من عواقب حرب أهلية جامحة إلى الجنوب منها.
لذلك نحن على أبواب الفلوجة. الدولة الإسلامية ستهزم هناك، وبعد ذلك سيتحول التركيز إلى الموصل التي لديها أكبر عدد من السكان المدنيين السنة ، هناك سنرى ليس فقط الميليشيات الشيعية بل أيضا البيشمركة الكردية ، التي ينظر اليها السنة على أنها أفضل بالكاد من الميليشيات.
ويزعم السفير السابق على أن الولايات المتحدة ستركز على هزيمة الدولة الإسلامية ، بأية وسائل كانت وأيا كان من يريد الانضمام إلى المعركة. نحن وظفنا تكتيكات مماثلة ضد السوفيات في أفغانستان - فالوسائل لا تهم، فقط النهاية هي المهمة.
يختتم السيد كروكير رؤيته التشاؤمية بالقول : (( ... ولكن لاتوجد نهايات في الشرق الأوسط . الدولة الإسلامية سوف تهزم في الفلوجة وفي نهايةالمطاف الموصل . إلا أن العواقب من المحتمل أن تكون أسوأ )).
ما فهمناه من رسالة السيد السفير هو أن التقسيم قادم لا محالة والخلافات بين فصائل داخل المكونات الثلاثة الكبرى ستؤدي الى مزيد من الانقسامات بل والى حرب أهلية داخلية ، وأن العراق سيبقى ضعيفا لاسيما تحت هيمنة إيرانية واسعة على بغداد وجنوب العراق ونفوذ على المنطقة الكوردية . وأن قانون الحرس الوطني سيمرر بارادة وضغط أمريكي- غربي. هذه هي ليست رؤية وتوقعات فحسب بل انها جزء من استراتيجية أمريكية وتوجهات غربية وامنيات لقادة اميركان وغربيين . ربما ستجد جزء من هذه الأحداث حيزاً وتحققاً لها في المستقبل القريب ولكنها لن تستمر وسوف يعود العراق من جديد معافاً ، بسيادة تامة على كافة أراضيه . وهو ما نبأنا به التاريخ وحدث ويحدث منذ قرون على هذه الارض العريقة المقدسة .حفظ الله العراق من شماله الى جنوبه أرضا وشعبا وسماءا.
مقالات اخرى للكاتب