السيد رئيس جمهورية العراق الاتحادية المحترم
السيد رئيس مجلس الوزراء المحترم
السيد رئيس مجلس النواب المحترم
السيد محافظ بغداد المحترم
السيد رئيس مجلس محافظة بغداد المحترم
السيد أمين بغداد المحترم
السيد رئيس ديوان الوقف الشيعي المحترم
السيد رئيس ديوان الوقف السني المحترم
السيد رئيس ديوان اوقاف الطوائف المسيحية، اليزيدية والصابئة المندائية في العراق، المحترم
السيدات والسادة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة - اليونسكو
تعاني عاصمتنا الحبيبة بغداد من إهمال وتدهور وضياع لهويتها الحضارية، ويوما بعد يوم تغيب ملامحها المتفردة التي عرفت بها على مدى العصور والتي شكلت مخيالا أسطوريا في الوجدان العالمي والإسلامي والعربي، كواحدة من أهم حواضر الدنيا وأجملها. فقد حملت بغداد تراكم الدهور الرافدينية ومنتج الحضارات المتعاقبة عليها. فمكثت خلال عمرها ذي الألف ومائتين وخمسين عام، سجلاً مكانيا لكل من مر وعاش على أرضها من أقوام وحضارات وديانات وطوائف من كل الأطياف والأجناس. فأشرقت روحها بالنتاج الإنساني والثقافي المتنوع الذي امتد عبر العصور منذ تأسيسها.
بيد أن بغداد اصبحت تتعرض منذ عقود إلى عملية تشويه لهويتها الحضارية، وتخريب وتدمير لمبانيها وملامحها التراثية والتاريخية. لقد تراكم الخراب من جراء إنتهاكات وإهمال كل السلطات، وكانت ذروتها قد حدثت إبان السلطة البعثية الديكتاتورية البائدة، حينما أجتثت أحياء بكاملها كانت تشكل طابعها الحضري البغدادي، وتمت استباحة ضفتي نهرها الخالد وحجزه الى ( القائد وحاشيته المقربة)، ولاتزال عمليات التشويه والتخريب والاستباحة مستمرة بدون وازع ولا رادع قانوني يحميها، ضمن ضوابط ومعايير حضارية تليق بها كعاصمة وكمدينة تاريخية مهمة.
ومن راهن بغداد، وركامها وخرائبها ويد العبث التي تمتد إلى معالمها التراثية الثمينة، عبر إستباحات مستمرة على ملامحها وروحها (المتبغددة)، حيث الغياب الواضح لأية رؤية أو فلسفة عمرانية ومعمارية، نطالبكم بالعمل جديا لإيقاف الأعمال والاجراءات الارتجالية، التي شوهت ومازالت تشوه معالم هذه المدينة المنكوبة المنكسرة، بعدما حولتها الانتهاكات إلى خرائب مشوهه لاتنتمي إلى عصرها وتأريخها، ولا تمت بصلة إلى لحظتنا المدنية التي يجب أن تنتمي إلى روح عصرية يسودها الجمال وخصوصية الهوية الثقافية، بما يضيف إلى بغداد ويحسب لها، ولاسيما في مناطق مركزها الصغير الباقي من اصلها، والذي يشكل 1300 من مساحتها المبنية، مما يستوجب الحفاظ عليه قبل ضياعه بشكل كامل.
لقد كانت بغداد رائدة ومتقدمة على نظيراتها من عواصم المنطقة، فأمست تلك العواصم تفوقها عمرانا وتنظيما وعافية، واصبح لكل منها هوية معمارية وحضارية متميزة رغم حداثة عمرها، من جراء ما حظيت به من إهتمام من القائمين عليها، على خلاف بغداد، التي توالى على كاهلها سلطات ومتنفذين وقائمين على أمرها، لم يرتقوا بالحس والعمل من اجل ان تكون بغداد عاصمة يعتد ويفاخر بها. وهي ما فتئت تستباح وتشوه بشكل مستمر، وتقوض بيوتها ومعالمها التراثية الجميلة وتجرف أشجارها المعمرة ، وتغيّر ملامحها وخريطتها لصالح منشآت ارتجالية وعمارات سمجة مغلفة بالاكوبوند القبيح، المناقض لفطرتها البيئية وتقاليدها البصرية في الملمس واللون والشكل، مما ادى إلى تراكم التلوث البصري الذي اصبح معيبا لنا جميعا. والأنكى من كل ذلك انتشار العشوائيات والفوضى السكنية التي أتسع نطاقها وتورم سرطانها ليطأ بهمجيته بعض المواقع التراثية ولم يقتصر الامر على دهماء القوم فحسب، بل حصل من طرف جهات ومؤسسات حكومية و حزبية من دون مراعاة لأية معايير حضارية. حتى بات من غير المستغرب أن نجد شوارع المدينة وساحاتها وحدائقها العامة وقد غدت مراعي للماشية و مكب للقمامة والأنقاض والازبال وآسن المستنقعات ومياه المجاري الثقيلة، وهو الأمر الذي يكرس خيبة الأمل، ويزيد فينا الألم والحسرة على مدينتنا وعاصمتنا بغداد المسكينة.
• وعليه نطالب بتشريع قانون من أجل حماية الإرث العمراني والحضاري لمدينة بغداد، وذلك من خلال تشكيل هيئة عليا محلفة ومؤتمنة تضم أهم المعماريين والتراثيين والمؤرخين والمختصين الأكاديميين، من ذوي السمعة المنزهة والخبرة والباع والحرص العالي وحاملي الحمية على بغداد، للعمل على وضع رؤية وفلسفة عمرانية ومعمارية متطورة، ووضع دراسات جدية شاملة، مع إيجاد آليات فاعلة للتنفيذ الصحيح يهدف الى إعادة بغداد إلى ألقها ومكانتها الرفيعة، لتستعيد الأذهان الصورة المتخيلة التي يعرفها العالم عنها، مدينة الجمال والثقافة والعراقة الممتدة في عمق التاريخ الحضاري والإنساني.
• ونطالب بأن يتم تفعيل القوانين العراقية بشكل طارئ وسريع، خصوصا تلك التي تمنع إزالة أو إضافة أو ترميم عشوائي يتداعى إلى تشويه الأبنية التراثية. وكذلك يحرم قطع الأشجار والنخيل بل نطالب بزيادة غرسها، كما نطالب بتفعيل الرقابة والمحاسبة الشديدة لمن يخالف تلك القوانين بما يشكل رادعا للتجاوزات المستمرة. كما نطالب بمنع تمليك الأراضي على طول ضفتي نهر دجلة، حيث إنها من محرمات النهر التي يجب أن تبقى ملكا خاصا ببغداد وحدها وليس لاشخاص مهما كانت مناصبهم. حيث ان بغداد فقدت صلتها المشيمية بجبهة الماء، ودرست شرائعها، وهو مايخالف سجيتها حينما وجدت كهبة للنهر متطلعة إليه، فلا يوجد نهر في مدائن العالم قد ادبر جبهة الماء وألغى إطلالة المدينة على شاطئه بهذه الطريقة التي تدعوا للاسى، بما تداعى أن ينقطع الوصل بين بغداد وشريانها الدجلوي ، بعدما كانت تنفتح وظيفيا وجماليا وبيئيا عليه.
• ونحن إذ نضع هذه المطالب نصب أعين كل المسؤولين في الهيئات الرسمية العليا، فإننا نشدد على دور مجلس النواب بشكل خاص ليتحمل، وفق الصلاحيات الدستورية التي يملكها كجهة تشريعية ورقابية، مسؤوليته الكاملة تجاه عاصمة جمهورية العراق الاتحادية.
• كما نطالب منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة بان تمارس دورها في الاهتمام بمعالم بغداد التراثية وهويتها الحضارية.
أملنا كبير بحرص أبناء العراق على عاصمتهم وتراثها المعماري والبيئي، وعلى هويتها المعمارية والحضارية ،لأن التاريخ لن يرحم من يقف مكتوف الأيدي راض بهذا الخراب الذي يعم بغدادنا، سرة الدنيا وتاج المدائن، وسيدة الحواضر، وملهمة الشعراء ومرهفي الحس، ومدينة العلم والثقافة والسلام.