نحتاجُ احياناً ، الى إستراحةٍ من السياسة ، بعيداً عن الطبقة الفاسدة الحاكمة ، بعيداً عن فضائح عدم الوفاء بالوعود ، بعيداً عن صخرة عبعوب ، بعيدا عن بغداد التي حّولوها الى خَرابة ، لإستذكار بغداد التي كانتْ جميلة ورائعة .
.......................
في مراهقتي قبل حوالي النصف قرن .. كنتُ معجباً ببنت الجيران ، في أحد درابين بغداد الجديدة .. حيث كان بيتنا مُلاصقاً لبيت العَم عبد "أبو طالب" . كان عندهم دكان هو الوحيد في الدربونة الطويلة . إبنتهم " سناء " كانتْ تحضر للدكان ، أحياناً كثيرة ، عندما يذهب والدها في مشوارٍ ما ، لاسيما إذا كانتْ أمها منشغلة أيضاً بأعمال المنزل ، وكانتْ سناء ، شاطرة و " سَباعية " ، تستطيع إدارة المحل بكفاءة .. كنتُ أراقب من الشباك ، وأعرف عندما تصبح وحيدة في الدكان ، فأذهب مُحاولاً التغّزُل بها .. كنتُ في الثالثة عشر وكانتْ هي في السادسة عشر .. كنتُ أجدها أجمل فتاةٍ في الدُنيا .. وكنتُ أكتب لها رسائل غرام منقولة بأغلبها من أغاني عبد الحليم حافظ .. وكانتْ سناء قد تركت الدراسة وهي في الخامس الإبتدائي .. كانتْ تتقبل مغازلتي لها " او كان يتراءى لي ذلك " لستُ مُتاكداً بعد كل هذه السنين . المُهم .. إتفقنا يوماً ، انا وسناء ، ان تصعد الى السطح ، عندما يرجع والدها الى الدكان وتكون امها مشغولة بالطبخ ، وأخويها طالب وعقيل وأختها طلبة خارح المنزل . وذهبت مُسرعاً الى البيت ، فغسلت وجهي وشعري الطويل ، وحاولتُ جاهداً أن اُخفي حب الشباب اللعين ، وإخترتُ قميصاً مُشجَراً .. واخذتُ كتابي ، مُدعياً القراءة في السطح ، سطحنا الملاصق لسطح بيت سناء . عبرتُ الى سطحهم في إنتظارها ، ولبدتُ خلفَ قن الدجاج الفارغ والذي تحّول الى ما يشبه المخزن لكل الأشياء الزائدة . سمعتُ بعد نصف ساعة ، صوت الباب وهو يُفتَح .. فدقَ قلبي بعنف ، مُمنِياً النفس ، بلقاء الحبيبة سناء ورُبما الحصول على قُبلة ! . وما ان رفعتُ رأسي ، حتى رأيتُ أمها وهي تحمل بعض الملابس لنشرها على حبل الغسيل .. لم تَرَني لأنها كانتْ في زاويةٍ معاكسة .. فإنكمشتُ على نفسي مُرتعباً من كشف أمري .. تصورتُ لو أنها قبضتْ عليّ مُتلبساً في سطحهم ، فأنها ستخبر فوراً أمي وأخواني ، وسوف تحدث مشاكل كبيرة وتتصدع الجيرة الطيبة بيننا والتي مضى عليها سنين ! . أعتقد ان نشر الملابس يحتاجُ عادةً ، لدقائق معدودة .. لكن أم سناء ، رُبما نكايةً بي ، فأنها إستغرقتْ ساعة او أكثر " هكذا خُيِلَ لي حينها " .. كنتُ خائفاً من رفع رأسي ومنزعجاً من وضعية جلوسي او إنكماشي .. وخلتُ ان الزمن توقف ، متعمداً ، لكي ينكشف أمري ! . لكن .. أخيراً وبعد أن وصلتُ الى حافة اليأس .. سمعتُ صوت إصطفاق الباب .. فنهضتُ على مهل وبِكُل حَذر .. فلم أرى أحداً .. وعلى الفور قفزتُ الى سطحنا ، ونزلتُ الدرج مُهرولاً .. لاعناً أبو الحُب ! .
مقالات اخرى للكاتب