اثناء متابعتي لخطاب دولة الرئيس ميقاتي، الذي اعلن فيه استقالته من الحكومة اللبنانية، قلت في نفسي، لماذا لا نملك في العراق امثال هذا الرجل الشجاع؟.
الذي ترك اعلى منصب تنفيذي في البلد بكل سهولة من اجل قضيتين لا ترتقي الى جزء بسيط من اقل قضايانا.
لماذا لا تخرج اصواتا صادحة بالايثار وترك المصالح الضيقة من اجل المصالح العامة؟.
هل ان الاخرين افضل حال منا؟، ام انهم اكثر تدين؟، ام انهم اكثر وطنية؟، ام انهم اكثر حرص؟، ام ماذا؟.
هل اصاب سياسيونا داء حب المنصب؟ هل فقد احدهم ابسط مقومات النفس الطيبة؟.
لماذا انقرض هكذا نموذج انساني في بلدنا؟، لماذا اصبحنا غير مبالين لكل ما يحدث؟، لا الدماء تحرك ضمائرنا ولا الفساد ولا انتهاك المقدسات ولا اي شيء اخر سلبي كان ام ايجابي.
والطامة الكبرى ليس هذا فحسب، بل اننا في بلدنا نرى العكس تماما مما يجري في كل بلدان العالم، ففي كل انتكاسة مهما كان نوعها وحجمها يخرج الينا المتسلطون على رقاب الناس وبكل صلافة وبجاحة مبرئين انفسهم مما جرى من انتهاكات، وملقين كل التهم بوجه خصمائهم، بلا دليل او حجة، فقط من اجل ايجاد المبررات التي تدعوهم الى التمسك بالسلطة الى اخر رمق من حياتهم.
وهولاء القوم اظنهم وجدوا ضالتهم، حين يستقتلون على كرسيهم، وذلك من خلال الاقتيات على الازمات من جهة، ومن جهة اخرى توفر الارضية الخصبة التي تصدق اباطيلهم والاعيبهم واكاذيبهم.
فمثلا حين تتهم الحكومة بالامس الجارة سوريا بالارهاب، يصدقها سذج القوم ويدافع عن قرارها، وبعد ايام حين تدافع الحكومة عن سوريا ولكن هذه المرة بعكس العنوان الاول تماما، يصدقها نفس القوم.
وحين تتهم الاخرين بايواء البعثية، يزمر لها نفس القوم، وحين ترجع البعثيين المجرمين، نشاهد ونسمع نفس القوم يطبلون ويزمرون.
وهكذا تستمر الحكاية، بعنوانها البارز: ديمومتنا بالازمات، ولكل ازمة رجالاتها المطبلون المزمرون.
فعليه وباختصار مفيد، لقد ثبت للجميع الا المعاند المكابر ان حكومتنا الموقرة، مخلوق وحدوي فريد يعيش على الازمات، فهو يصوم مدة ويفطر بشهية مفتوحة على اي ازمة تحصل في البلد، وما ان تنتهي ازمة، حتى يتمسك باذيال ازمة اخرى، وهكذا هي مسيرتها، في تعمد استمرار خلق الازمات، وذلك للتغطية على عجزها وضعفها في تقديم ابسط الخدمات لشعبها، لكي تلهيهم بهذه المشاكل وتبعدهم عن الواقع المرير الذي يجري، وتجعلهم منشغلين باشياء لا تزيد في الشارع الا احتقانا وضغينة وعداوة وبغضاء، وهذا ما نلمسه كل يوم وسنلمسه لاحقا في الوقت القريب لا البعيد، ونحن واياكم من الشاهدين.
ساعد الله هذا البلد، الذي لم يخلُ فترة حتى تسلط عليه من يعشقون السلطة ويتفانون من اجل البقاء بها، كعشقهم لانفسهم ان لم يكن اكثر.
كم تمنيت ان يكون ميقاتي رئيس وزراء العراق، كي اشاهد بعيني، ولو لمرة واحدة، سلطان يحكم العراق يخرج طوعا لا كرها، وبملء ارادته.
وكم تمنيت ايضا ان يكون لدينا نموذج من الشعوب المتحضرة التي تحلل الامور بموضوعية بعيدا عن التعصب، وتشاهدها بكلتا عينيها لا بعين واحدة كما هو الحال للبعض من المتحجرين الذين ينعقون وراء كل ناعق.
ولكن لا كل ما يتمناه المرء يدركه، تجري الرياح بنا لا تشتهي السفن.
مقالات اخرى للكاتب