كالعادة كان بريد بغداد اليوم مغمسّا بالدم الذي تشتيهه قوى الارهاب من جهة وميليشيات حكومية من جهة ثانية، وكالعادة ايضا كان الاسفلت البغدادي كما اسفلت شوارع العراق مسرحا لجريمة بشعة بحق اعلامي واستاذ جامعي هو الشهيد "محمد بديوي" وليضاف اسمه الى قائمة طويلة من شهداء الكلمة التي تؤرق الطغاة في كل الازمنة وفي مختلف الاماكن.
لسنا هنا بصدد تبرير الجريمة وكيف نستطيع ذلك ودماء الشهيد "بديوي" لم تجف بعد من على اسفلت "الجادرية"، كيف نستطيع ان نبرر الجريمة والقاتل معروف ان لم يكن بالاسم لحد هذه اللحظة فهو معروف المكان والجهة التي تتبناه والتي ستسلمّه الى العدالة بلا شك لينال عقابه، كيف نستطيع تبرير الجريمة والضحية ليست شخصا بذاته بل هو "كلمة" عليها ان تجوب فضاءات العراق لتوصل ما تبقى من حقيقة في هذا الزمن اللئيم الى من يحتاجها لبناء وطن يتهاوى بفعل المحاصصة الطائفية القومية اللعينة.
المنطق يقول ان تبرير جريمة كهذه سيؤدي الى تبرير جرائم سابقة واخرى لاحقة ونفس المنطق يقول ان الضحية لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة، ولو استقرئنا المنطق بشكله "المنطقي" فعلينا البحث عن كل الجرائم المرتكبة ليس بحق الصحفيين والاعلاميين والسياسيين فقط بل وبحق كل الابرياء من العراقيين الذي ذهبوا ضحية طغم سياسية تنهب ثروات البلد باسم الطائفة والقومية وصراعاتهم السياسية العقيمة، لنؤشر بعدها على القتلة لتقديمهم الى محاكم قانونية عادلة، السنا في ظل دولة القانون وننهل من خيره وعطائه!؟
لم نرى السيد المالكي حريصا على الدم العراقي الا اليوم حيث انتظره الجميع ليرفع جثّة الشهيد المغدور بيديه "الكريمتين" كدعاية انتخابية ويا ليته لو اكتفى بذلك، بل رأيناه منفعلا ليضيف الى طائفيته وعشائريته، بداوته بابشع صورها متناسيا انه على رأس اعلى سلطة تنفيذية بالبلاد ليقول " الدم بالدم". لا يا حاج صدقني ما هكذا تروى الابل وليست هذه من اخلاق زعماء البلدان ناهيك عن سياستهم. ألم تستشير مستشاريك ليخبروك من انك تمثل القانون بالبلد وان قائمتك الانتخابية تسمى "دولة القانون" لذا عليك ان تكون حذرا بأنتخاب الكلمات في مثل هذه المواقف؟ ولماذا لم يراك ابناء شعبنا لليوم في موقع انفجار ارهابي قتل العشرات منهم بين صبية ونسوة وشيوخ وعجائز؟ ولماذا لم يراك ابناء شعبنا في مناطقهم عندما غرقت مدنهم ودخلت المياه الثقيلة الى داخل بيوتهم؟
السيد رئيس الوزراء هل دماء الشهيد البريء "محمد بديوي" لها لون غير لون دم الشهداء " كاوه كرمياني" و "كامل شياع" والشهيد "هادي المهدي" الذي قتل لانه انتقدك شخصيا وغيرهم الكثير من شهداء الكلمة والفكر؟ واذا كان قاتل الشهيد "كرمياني" معروفا وسيحاكم ان لم يكن اليوم فغدا، فهل علينا ان نسألك من هم قتلة "شياع والمهدي" ولماذا لم تتابعوا قضيتهم لليوم؟ السيد رئيس الوزراء من الذي اطلق سراح قاتل الشهيدين ولدي السيد مثال الالوسي ضمن صفقة سياسية؟ هل تعرفه أم علينا الاشارة اليه؟
اننا في العراق بحاجة الى ارساء دولة المؤسسات التي تحاسب القتلة والمجرمين من خلال محاكم قانونية وليس عن طريق المنطق والثأر البدوي، وان حديث النبي محمد "ص" عندما قال في العقبة الاولى حين سأله بعض اليثاربة عن عهودهم مع اليهود أذ قال " الدم بالدم والهدم بالهدم" كانت وليدة ظرف تاريخي معين، وان كان السيد المالكي استوحى مقولته " الدم بالدم" من حديث النبي محمد "ص" آنف الذكر فالاولى له اتمام الحديث " والهدم بالهدم" وليشن حربه على الكورد ويهدم مدنهم أن استطاع وأراد لأن الجاني كوردي ومن ضمن حماية رئيس للجمهورية لازال في منصبه خلافا للدستور نتيجة غيابه بسبب المرض. أما اذا لم يستوحي ماقاله من حديث النبي محمد "ص" بل هي من بنات افكاره فأنه بدوي، وستكون بداوته وطائفيته وعشائريته معاولا بيد حزبه ودولة لاقانونه ليهدموا بها ما تبقى من البلد.
البداوة ليست سوى مرحلة تاريخية ولّت بتقدم المجتمعات نحو المدنية التي يناصبها المالكي العداء.
مقالات اخرى للكاتب