والعالم يهتزأمام ضربات الارهاب وأحدثها تفجيرات بروكسل، لازالت سياسة الاتحاد الأوربي (جمعاً وفرادى) مستكينةً تحت الظلال الأمريكية، والتجسيد الأبلغ لذلك يتمثل في أداء (الاشقاء) الثلاثة الكبارأوربياً (الأنكليزوالفرنسيون والألمان)، الموزّعة أدوارهم بين التطابق الكامل في الرؤية وحماسة التنفيذ التابع للسياسة الأمريكية، وهي المناطه لحكومتا انكلترا وفرنسا، وبين هامش المناورة الموكولة لالمانيا مع أطراف الصراع (حكومات وأحزاب وقوى فاعلة)، لتكون قناةّ لـ (التبريد والتنفيس) متى أقتضت الحاجة الى ذلك في الاختناقات المستعصية !.
هذه التبعية الأوربية للسياسة الأمريكية كانت أنتجت فشلاً ذريعاً في افغانستان، حين تبنى الأمريكيون مجاميع من (المقاتلين العرب) للقتال في افغانستان تحت لافتة تحريرها من الاحتلال (الشيوعي) بتمويل من السعودية المتباكية حكومتها على المسلمين الافغان، قبل أن تتحول تلك المجاميع، التي وصلت الى افغانستان من عواصم دول الخليج تحت انظارأجهزتها الأمنية، الى أخطر تنظيم ارهابي في هذا القرن حين أعلن مسؤوليته عن تفجيرات ابراج التجارة في نيويورك، لتبدء أمريكا ردها (الانفعالي) باحتلال افغانستان لتحريرها هذه المرة من سطوة (مرتزقة الأمس) الذي مازال فاشلاًالى اليوم، والذي أسس لأحتلال العراق وفتح بوابات الجحيم على المنطقة ومازال، وصولاً الى ولادة تنظيم (داعش) وملحقاته المتناسخة في العراق وسوريا، برعاية حلفاء أمريكا والاتحاد الاوربي في الشرق الأوسط.
الرعاية والحماية التي وفرهما الأمريكيون لطغاة العرب طوال نصف القرن الماضي، لم تجد لها أعتراضاً من حكومات الاتحاد الاوربي المدعية دفاعها عن حقوق الانسان، لأنها كانت ومازالت مهتمة بمنافعها الاقتصادية التي تجنيها من الحكومات الدكتاتورية في المنطقة العربية والعالم الثالث، على نفس السياق الذي درجت عليه الادارات الأمريكية، لأنها في الأصل حكومات ساندة للشركات الرآسمالية العملاقة الممولة لخزائنها النفعية على حساب القيم الانسانية المفقودة في تلك البلدان، التي توفر لها الخامات والمواد الاولية والاسواق المستهلكة للسلع المنتجة في مصانع شركاتها .
لم تلتفت حكومات الاتحاد الاوربي الى( رأس البلاء) الذي أوصل الارهاب الى عواصمها بعد خمسة أعوام من الصراع في سوريا، الذي مولته هذه المرة السعودية وقطروبرعاية الادارة الأمريكية، في نسخة معاده بالنص والصورة عن درس افغانستان، لكن توفرت له هذه المرة دولة محورية وكبيرة هي تركيا التي يقود حكومتها قادة تنظيم (الاخوان المسلمين) في العالم، المتحكمين بانشطة التنظيمات المسيطرة على المساحات الواسعة من الاراضي في العراق وسوريا ، والتي تبنت الاستقبال والتدريب والتجهيز، قبل عبور المرتزقة الى ساحات القتل والتدميروانتهاك الاعراض والسبي وقطع الرؤوس وفرض الاتاوات، تحت عناوين تحرير البلدان من سطوة الدكتاتورية!.
لقد اعتمد الاوربيون سياسة (العجين السيّال) التي حاولوا بها تخفيض الاضرارعن بلدانهم من ضربات الارهاب، متوهمين أن (الآخر الارهابي) سيحسب أن (لا لهم في الخبز ولافي الطحين)، ولازال قادتهم يحلمون في ذلك، وأحدث مثال يأتي اليوم في تصريح لوزير الخارجية الألماني( شتاينماير) قبل توجهه الى موسكو حين اعلن أن ( الرئيس الاسد ليس شخصية مقبولة لجميع السوريين) ، متناغماً مع موقف الادارة الأمريكية، ومتناسياً أن جميع رؤساء دول العالم الثالث لم يحصلوا على قبول مطلق من شعبهم، وهو أمرطبيعي في تلك البلدان التي عبثت باوضاعها حكومات الغرب لضمان مصالحها .
بالامس ضرب الارهاب بروكسل وقبله ضرب باريس وسيضرب غداً عواصم اوربية أُخرى، وهي حلقات في مسلسل توفرت له الامكانات والرعاية والتمويل من حكومات تلتحف باردية الامريكيين، ومن (يركّب) السموم ويدرب مسوقيها ويختارلهم أسواق (تصريفها)، لابد له من تذوق طعومها ونتائج تأثيراتها المدمرة على صحته، وعساه يستفيق !!.
مقالات اخرى للكاتب