ما يحصل في المسيرة السياسية في العراق بعد الاحتلال الامريكي عام 2003 هو افرازات مرضية لتكريس الانتهازية الطارئة على العمل السياسي، فالشخص الانتهازي هو الذي يحاول اصطياد مصالحه الشخصية وتغيير سلوكه ولونه بما يضمن الحصول عليه من مكاسب ومنافع خاصة، من توظيف وسلطة وثروة ومركز وظيفي غير مشروع، فهو يعمل بمقتضيات الوقت الذي يعيشه (ابن الوقت) ويقال عن الشخص الانتهازي المتلون انه في (حزب الرياح) لا اصلة له ولا اساس وهذا المعنى يعكس قيمة سلبية في حركة الانسان وخصوصاً في الميدان السياسي لانه يعتبر من اهم الاخطار التي تتعرض لها الحركة السياسية حيث يعرضها الى انشقاقات وصراعات سياسية وطائفية وعرقية مما يؤدي الى الانحرافات الفردية والجماعية في التنظيمات القائمة كما يحصل في الحركه السياسية العراقية الناشئة بعد الاحتلال ويتكرر ويتزايد عندما تقترب الدورة الانتخابية للبرلمان ومجالس المحافظات، فعندما يشعر بعض اعضاء الكتل السياسية بأن كتلته لم تحصل على مناصب (مقاعد) في مجلس النواب وغير قادرة على ان تكون القاعدة الاساسية في الدولة، اي ان يكون لها عدد كبير من المناصب السيادية والوزارية، يعلن انساحبه وانشقاقه وينضم الى حزب او كتلة جديدة او قائمة اخرى تؤمن له مايطمح اليه، وعندما لم يحصل هؤلاء الطارئون على العمل السياسي على المكاسب والمنافع حاولوا خلق المشاكل والانشقاقات والتكتلات داخل صفوف الحركة السياسية عن طريق تعميق الخصومات الفردية والعشائرية والطائفية بين المذاهب والقوميات والاقليات الاخرى وبذلك تتهدد وحدة الشعب، ولكن هذه الحالة لاتنطبق على الاعضاء الذين يتركون العمل السياسي بثقتهم بعدم جدوى العمل الحزبي نتيجة انطباع سيء عن الحزب والحركة او التيار، ان مايجري من حراك الان لتشكيل الاحزاب بعد تفعيل قانون الاحزاب لعام2015 يجب ان يضع المتصدرون لعملية تشكيل الاحزاب الجديدة لهذه الظاهرة (الانتهازية السياسية) ومعالجة سلبياتها وتداعياتها على المسيرة السياسية في العراق التي مضى عليها اكثر من 14 عاماً اي منذ غزو العراق واحتلاله من قبل القوات الامريكية والدول المتحالفة معها، حيث تنامت (الانتهازية الطائفية) بما تقدمه من افكار ومبادىء وطموحات غريبة امام عنصر المواطنة، (والانتهازية العنصرية) بما تقدمه من تنازلات ومساومات امام العنصر القومي، (والانتهازية الاصلاحية) بما تقدمه من امال واحلام امام المثقفين الثوريين، (والانتهازية الدبلوماسية) بما تقدمه من اساليب التضليل، (والانتهازية الوظيفية) بما تقدمه من تنازلات ومديح ومساومات امام المراكز الوظيفية لدى كبار الساسة وصغارها كل هذه الاشكال من الانتهازية الفردية والجماعية مورست من اجل مصادرة الطاقات البشرية السامية واصرارها على انتهازيتها والتشبث بمواقعها مما ادى الى الحاق الضرر بالحركة السياسية شكلاً ومضموناً وضياع المقاييس الموضوعية وتعطيل الكثير من الطاقات الخيرة والنزيهة التي تقود الحركات الوطنية والتقدمية. وللقضاء على هذه الظاهرة والتي هي وجه اخر للفساد يجب العمل على بناء علاقات وانماط سلوكية متحدة تقضي على كل اشكال الاستغلال والظلم والتسلط للانسان وتركيز على التثقيف الذاتي وتطوير واعداد الكوادر المثقفة والمؤسسات الثقافية المختلفة وتوفير شروط الوعي السياسي وايجاد احزاب سليمة ذات منطلقات فكرية واضحة، وضوابط تمنع تسلل الانتهازيين وتعريتهم واخراجهم والتشديد على ان تكون المصلحة العامة فوق كل المصالح الشخصية، وان تكون مواقع المسؤولية في الدولة والمؤوسسات السياسية لخدمة الشعب وامتيازاتها للمنفعة العامة بعيداً عن المصالح الشخصية والحزبية الضيقة التي تؤدي الى المنافع والمكاسب والثراء غير المشروع والذي كان سبباً في اشاعة الفساد الذي نخر عروش الدولة والسلطة واحزابها.
مقالات اخرى للكاتب