العراق الحالي بلد فقير في كل شيء إلا ما ندر. انه فقير في العلم و الادب و المعرفة و الاقتصاد و السياسة و الاهم من ذلك انه فقير في السلوك الحضاري و الصفات المتحضرة. في العهد الملكي مع عيوبه كانت في العراق عقول ذات خبرة علمية و ادارية و ضعته في مكان لائق بين الامم. بعد ذلك تدهور التعليم من الابتدائي الى الجامعي بسرعة و غدت جامعاتنا يديرها فليلو او عديمو الخبرة و انتشر التدريس الخصوصي و تكرار الامتحانات للراسبين الى ان ينجحوا. في الاقتصاد غاب التخطيط للمشاريع العمرانية و الصناعية و الخدمية و المصرفية مما جعل العراق بلدا فقيرا بالرغم من نفطه الوفير. الادب الرفيع و المعرفة العالية و الاعلام الرزين حل محلها فوضى من الالقاب لكل من استطاع ان يكتب سطرا او يقرأ سطرا. الطائفية السياسية كانت هادئة مع غبنها للأكثرية الشيعية لان اغلب السياسيين وضعوا مصلحة البلد قبل مصالحهم و قبلت الاكثرية بالغبن من اجل ذلك. الطبقة السياسة الحالية عديمة الخبرة و الذمة همها جمع المال ونشر الفساد الاداري و المالي لتحقيق ذلك. جلهم شلة من عديمي الجاه و العلم و المعرفة تتخبط في الرئاسات الثلاثة و توابعها شعارها اسرق المال العام قبل ان يسرقه غيرك. العراق بلد قبلي و عشائري منذ القدم تسوده مفاهيم كاذبة مثل الشهامة و النخوة و الكرم و الطيبة و كلها تغطي على اضدادها المعيبة السائدة في المجتمع. الذين حكموا البلد انذاك استطاعوا الحد من الكثير من السلوك القبلي و العشائري العنيف و الجاهل بتنصيب رؤساء العشائر نوابا و وزراء و في مجلس الاعيان و لكن بدون سلطة فعلية و ساقوهم كالبقر تحت شعار (موافج). الفقر في السلوك المتمدن و الصفات المتحضرة عند سكان الوسط و الجنوب اقل درجة منه في بقية انحاء العراق بسبب البيئة الزراعية التي توفر العيش و لو بدون رفاه و الميل الى الغناء و تبادل الطرائف. الطبقة السياسية الحالية جاءت نتيجة لانتخابات جرت على اساس قومي وطائفي و عشائري مما يفسر السلوك المعيب للغالبية العظمى منهم و التظاهرات الحالية و من خطب فيها خير دليل على ذلك. خرج رؤساء العشائر و ابناؤها للدفاع عن لابسي الاحزمة الناسفة و حاملي العبوات اللاصقة لقتل زوار الحسين (ع) ثم رفعوا شعارات الحسين للغش و الخداع بناء على طلب الشيخ عبد الملك السعدي. الشيخ السعدي جاء من الاردن على عجل لتبييض وجوه المتظاهرين و شعاراتهم القبيحة بعد فوات الاوان. انهم يتصرفون حسب مقولة انصر اخاك ظالما او مظلوما و ليس للدفاع عن الحق المشروع او تحقيق العدالة . التصرفات الشاذة و الشعارات الطائفية البذيئة رددها الجميع بنشوة و فخر و تهديد لأنها تعكس مدى التأخر المعرفي و الحضاري لهذه الجماهير التي تفتخر بكونها متخلفة في كل شيء. انهم يطالبون بالشرف لنسائهم بعد ان باعوه الى الارهابيين عند ايوائهم في بيوتهم لأنهم يقتلون الشيعة. السياسيون من هذه العشائر و من غيرها في اماكن اخرى من العراق الذين يلبسون السترة و البنطلون بقيت عقولهم تسيرها مفاهيم قبلية و عشائرية حتى بعد ان حصل قسم منهم على تحصيل علمي. التجمعات القبلية و العشائرية تسودها مفاهيم الثأر و القسوة و عدم توازن العقاب مع الذنب بدلا من التسامح و العطف و العدالة. هذه المفاهيم موجودة في المدن حتى بين المتعلمين و ذوي الشهادات ولكن بدرجة اخف بسبب الخوف من النتائج. البلد الذي تحكمه عقول تهتدي (بالهوسات) القبيحة و الرقصات الهمجية اقرا عليه السلام.
مقالات اخرى للكاتب