خلال السنوات الاخيره في عهد النظام الجديد , برزت لدينا ظاهرة جديدة تستحق فعلياً دخولها موسوعة (غينتس) لتفردنا كبلد يعاني من الأحتلال والتمزق والتدهور الأمني . وهي بكل بساطة ولادة العباقره والجهابذة في اختراع وابتكار الطرائق والقوانين الخاصة بأذلال المواطن وتأخير معاملته وسوء تعامل الموظف معه .
في ظل ذلك السيل الهائل من الأبتكارات دخل الفساد الأداري وتوغل عميقاً في النفوس المريضة للبعض من الموظفين لينتشر سريعاً كهشيم النار بأنتقاله من دائرة الى أخرى والدولة عاجزة عن الحل تماماً . و المسؤولين يقرؤون ويسمعون لكنهم غير متفرغين لمعاملات الناس فلكلٍ منهم (ليلاه) الحائر بها . وليست ليلى الأمرأة التي يحلم بها الرجال ولا العراق الجريح وأنما كرسي السلطة . و جلَّ ما يخشاه المسؤول أن يصحو صباحاً ويسمع خبر أنتقال هذا (المقعد السحري) الى مسؤول غيره! ترى لو أن الحكومة كانت في جلَ أعضائها من المستقلين و أصحاب الأختصاصات فهل كانت الأمور بهذا المنوال ؟ . ولو كان المسؤول غير مرتبط بتيار أو كتلة سياسية فهل بأمكانه أن يعمل لغير الشعب الذي أصبح لا يراجع ايةَ دائرة أن لم يكن لديه أمتيازات كالواسطة و الرشاوي و ما ملكت أيمانه ؟ .
المعاملة التي تستغرق يوماً أو يومين أصبحت في ظل صحة صدور وصورة القيد و حضور الشخص المعني رغم أصابته بالمرض تستغرقُ أسابيعاً بل أشهر بالكثير من الأحوال , مما يضطر الى تركها غير آسف عليها و المسألة لن تتوقف عند هذا الحد بل تتعداه الى القذف بالسوط المسموع للدائرة وللذي أوجدها . فالشعب أصبح غير قادر على الصمت وها نحن نرى العجب و الغرائب في تظاهرات كل جمعة وفي غيرها يومياً .
الدولة أنفقت والحق يقال مئات الملايين من الدولارات لشراء منظومات من أجهزة الحاسوب و أدخلت المئات من الموظفين دورات داخل و خارج العراق عليها لكي تعمَّ هذه الظاهرة التكنلوجية والحضارية جميع معاملات دوائر الدولة و الأستفادة من الملايين التي أنفقت من أجل تسهيل معاملات الناس فهل تحقق هذا الهدف ؟ . وهل ذهب مواطن ما الى دائرة ومعه (رباعية العراق) أي هوية الأحوال , التموينية , شهادة الجنسية و بطاقة السكن و أعطى للمسؤول عن معاملته كل هذه المستمسكات ومعها ايضاً أمراض الجلطة والضغط والسكري و أدخلت كل المعلومات في الأنترنت و أرسلت الى الجهة المعنية و جاء الجواب و أنجزت المعاملة في أقل من ربع ساعة ! طير يا معود .. أتلفت نحو مصدر الصوت فلا أجد أحد . أذاً أنا في هوس أو في طريقي الى الجنون لأحلم ولو مجرد حلم أن يتعاملون معنا في الكثير من دوائر الدولة على أنهم بشر مثلهم و أنهم جاؤا الى هذه الدوائر لخدمتنا نحن الشعب. آخر الحكاية: لا تقنطي أن رأيت الكأس فارغة .. ففي كل عام ينضج العنب.
مقالات اخرى للكاتب