ينشغل الجزء الاكبر من العراقيين اليوم بالسلاح والقنابل والظهور بالملابس العسكرية دفاعاً عن البلد من خطر اسمه داعش، وداعش هي اختزال رهيب لحدث ملتبس ومعقد لا يقبل التبسيط الى هذا الحد. اختزال معركة العراق بين اخيار واشرار يقضي على الكمية القليلة الباقية من حكمتنا التي ورثناها من اجدادنا، صنّاع الحضارة والتأريخ.
ثمّة مشكلة حقيقية يمر بها العراق منذ ١١ عاماً. مشكلة تهدد وحدته وهويته الوطنية الواحدة يتغاضى عنها اصحاب القرار ليختبئوا وراء خطبهم المنمقة والحالمة.
قد يحسم المعركة هذا التجييش الرهيب للشارع الشيعي وقد ينتصر فريق السلطة ويدحر "الغزاة" من محافظة الموصل، لكنه لن يحل المشكلة ابداً ما دام هناك مكون يشعر بالتهميش ويحس بالمظلومية. بغض النظر عن حقيقة ذلك الشعور، هو شعور تنامى وسط المكون السني منذ الاطاحة بنظام البعث السابق، وعلى النخبة السياسية العراقية التعامل معه بكل حكمة وعقل كي تتجنب حرباً اهلية تبلعنا جميعاً.
مهما كان سبب ذلك الشعور او حقيقته، لا يعطي مبرراً لحمل السلاح بوجه المركز او التعاطف مع ارهابيين اجانب لانه ببساطة سيجعل من صاحب القضية متهماً ومتمرداً في دولة فيها منسوب ممتاز للحرية قياساً لدول اخرى مجاورة.
سينتفض موالي السلطة المتشنج حين يقرأ كلامي هذا، وسيكتب فوراً معاتباً او معارضاً او حتى شاتماً من إن السنة لم يقبلوا بحكم الشيعة بعد سقوط البعث، وإنهم ذبحوا وقتلوا وسحلوا وعارضوا قيام دولة عراقية قوية يحكمها الشيعة.
نعم، لاشك إن هناك من "السنة" مَن لا يقبل اطلاقا بحكم "الشيعة" او يرضى بوزنهم الجديد في معادلة العراق القائمة، لكن ألا تتفقوا معي من إن فريق السلطة الحالية كان سبباً في اتساع رقعة هؤلاء بسبب سياسات العناد والتفرد وعدم الاصغاء لصوت العقل في تعامله مع ابناء تلك البقعة الملتهبة؟
كلنا اخطأنا ولا داعي ان ننبش المواقف السابقة. علينا التفكير الآن بحلول جريئة لوقف نزيف البلد الحالي. وحدها الامم الكبيرة من تستطيع تجاوز الازمات وايجاد تسويات مهمة تحفظ البلد وابنائه.
ما يخيفني بالفعل هو ذلك التجنيد الرهيب للميليشيات التي ستبتلع الدولة حال انتهاء القتال مع "الاعداء".
لا ادري كيف ستتعامل دولة يفترض انها "دولة قانون" مع ميليشيات بهذا العدد والعدة بعد انتهاء الازمة الحالية.
كنا نسمع بالأفْغَنة واللبْنَنة، اخشى اليوم من "عَرْقَنة" تأكل تاريخ ومستقبل العراق الواحد، وتنهي دولة كان لها يوماً ما شرف تصدير المدنية لكل بقاع العالم.
مقالات اخرى للكاتب