إذن ما الذي حققناه لحد الآن، إذا كان الإرهابيون قادرين على تنفيذ عملية عالية التكتيك واقتحام سجنين مهمين في بغداد، ومن ثم النجاح بتهريب أكثر من (500) سجين كما تؤكد التسريبات وتشير إلى أن فيهم أمراء خطرين بتنظيم القاعدة؟
هذا السؤال يكشف عن حقيقة بالغة الخطورة، وهذه الخطورة تتأكد إذا تذكرنا بأن وتيرة التفجيرات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تصاعدت بشكل كبير، وأن الاحصائيات العالمية تؤكد تجاوز عدد ضحايا أعمال العنف في الأشهر الثلاث الأخيرة (2500) مواطن، الأمر الذي يكشف عن أن التنظيمات الإرهابية باتت قادرة على تنفيذ سلسلة من التفجيرات المستمرة وفي مناطق حساسة من بغداد، وفي ذات الوقت تخطط، وتنفذ، بهدوء وصبر عملية نوعية بالغة الدقة تستهدف سجنين يفترض بأنهما محروسان بشكل كبير ودقيق.
إذن ومن جديد، ما الذي حققناه؟ إذا كنا لم نحقق شيئاً ملموساً على مستوى الخدمات، ولا على مستوى مكافحة الفساد، ولا على مستوى الأمن، فما الذي فعلناه؟ من جهة أخرى فإن مستوى الخروقات الأمنية التي نعانيها تكشف عن تورط طيف واسع من جهاتنا السياسية والأمنية بهذا الاختراق. فلو كان الدعم يأتي من جهة واحدة، لما استطاع الإرهاب أن يُنَفّذ ضرباته الموجعة دون أن يخسر شيئاً.
يعاتبني أصدقاء حول تركيزي على الكتابة في الشأن السياسي، معتبرين بأن مساحة الكتابة بهذا الموضوع باتت ضيقة الأمر الذي يجعل الآراء تتكرر باستمرار، وهذا الرأي وجيه، لكن كيف يمكن لأحدنا أن يغادر الشأن السياسي في بلد يحترق؟ كيف يمكن أن لا أكتب باستمرار عن الفساد وعن نقص الخدمات وعن الملف الأمني؟ لقد تجاهلت عمليات التفجير التي حدثت مؤخراً رغم أنها حدثت بمنطقة سكناي، تفادياً للتكرار، لكنني لم أستطع أن اتجنب الحديث عن عملية إرهابية تستهدف أهم سجنين في بغداد وتهرب أشد أمراء القاعدة شراً، فهذه العملية تحرك الكثير من المخاوف، بل هي تجعلنا نتساءل عن مستوى الأمن الذي تتمتع به بغداد، وإلى أي درجة نحن بعيدون عن ضربة قد تستهدف المنطقة الخضراء وتُحدث فيها زلزالاً سياسياً كبيراً؟
الجهاز الأمني الذي ينجح الإرهاب باختراقه إلى هذه الدرجة، هو جهاز ركيك وفاشل بكل المقاييس، ومن ثم فهو لا يمكن أن يوفر لنا أدنى مستويات الشعور بالأمان. والكيانات السياسية التي تدير دولة يلعب بمقدراتها الإرهاب بشكل سافر، هي كيانات مشكوك بولائها ولا يستبعد تورطها كلها بخيانة البلد وبيع مواطنيه حطباً لنيران الإرهاب الشريرة.
مقالات اخرى للكاتب