موشي داود، كان جنديا معي في الحرب العراقية الإيرانية، قضينا سنوات معاً في ملجأ قتالي واحد.
موشي، وهو مسيحي آثوري، فنان تشكيلي وواحد من أبرع خطاطي حرف لغته القومية. وموشي واحد من أكثر الناس الذين عرفتهم براءةً وطهراً وتديناً مسيحياً خالصاً، لم يكذب يوما ولم يتوقع من أحد الكذب، لم أسمعه مرةً يقسم يميناً ولم يطلب ذلك من أحد.
كان معظم وقته في الجبهة يصرفه بعمله الفني وبالقراءة وبحوار ثقافي بفضل دائما فيه دور المصغي المتعلم بكل أدب وبخلق رفيع.
غادرنا يوما، ربما كان ذلك عام 1987، بإجازة إلى بغداد لافتتاح معرض شخصي له في قاعة المتحف الوطني للفن الحديث (كولبنكيان) قرب ساحة الطيران، وحين عاد من الإجازة كان يضحك وهو يسرد لي ما حدث لمعرضه الذي لم يُفتَتَح!
يقول موشي: قبل الافتتاح بساعتين كانت سيارة من المخابرات بانتظاري عند باب القاعة.. سألوني مباشرةً: كيف موّلت اسرائيل معرضك هذا؟
كانت المشكلة، كما يقول موشي، هي في اسمي (موشي داود) وهو اسم أوحى للمخابرات أني يهودي، وساعد في تعزيز هذا الشك شكل الحرف الآثوري وهو قريب في رسمه من الحرف العبري..
ساعة من التحقيق داخل القاعة كانت كافية لموشي أن يلغي المعرض وأن يتبرع بكل لوحاته للمخابرات، ويعود إلى البيت والجبهة ظافراً بالنجاة.
أتذكر موشي الذي لم أره منذ عام 1988، كلما اشتدت مِحَن مسيحيي العراق، مواطنينا الأكثر براءة ولطفاً وحباً وتسامحاً.
سلاماً موشي داود.. سلاماً يا أبناء يسوع.
مقالات اخرى للكاتب