اليوم ، السبت ، مرت مئوية ( شارع الرشيد ) ... ومنذ غبش صباح اليوم ، قررت التجوال والتجول في ملك الشوارع ، الميت ، الحي .. هذا الشارع الذي يعتبر من أقدم واجمل الشوارع في بغداد ، حتى عام 2003 ، حيث افتتح الشارع يوم 23 تموز 1916.... كانت جولة حزينة !
دائما ما كتبتُ عن شارع الرشيد ، فهو ليس مجرد شارع ... انه تاريخ ، وجه له ضربة موت مقصودة ... لا لسبب ، إلاّ لكونه يمثل بغداد الحضارة .. كتبتُ لقناعتي بأن الصحفي الحقيقي ، الانسان ، هو النسغ الذي يبقي شجرة المجتمع يانعة ، وبدونه تجف وتصبح حطباً ، هو الذي يعطي الطراوة والنضارة والحياة لشجر الناس ... هو الثقافة المجتمعية التي تضيء ، وتخلق المناعة والحصانة .. والصحافة هي التي تبقينا حراساً للحلم والثوابت والحقوق التاريخية ، هي التي تميزنا عن باقي المخلوقات ، وهي الذاكرة والفعل ، ومحرك .. الفعل ... فهل هناك ، احق من شارع الرشيد بالمناشدة ، لإعادته الى ماضيه الزاهر؟ متى ينتصر الوعي والطموح عندنا لنهزم التخلف الذي احال اجمل شوارع العاصمة الى شارع ميت !
ان وجدان العراقي ، ولاسيما البغدادي ، يتميز بأنه يعيش على لغة التاريخ الذي عايشه ، ويتغذى منه ، وينهل من التراث الذي ناغمه بعد ان يصوغه ذاتيا صياغة ثابة ، تطابق رؤيته .. وانا لا اكتم دوماً اعجابي وشغفي بشارع الرشيد ، ففيه، بساطة وعفوية كلغو الوليد ، ولكنه يعرف كيف يخفي وراء بساطته، وعفويته ، الدمار الذي لحقه بحقد بلا مبر... وكرها ، حوّله من شارع للفرح الى كوم لباعة الدهون والخردة ... اين الاورزدي باك ومقاهي المربعة ومطاعم عمو الياس واكسبريس فلسطين ومحلات بيع الباسطرمة والسينمات المنتشرة على ضفتيه ... اين مكتبة مكنزي واستراحة البرازيلية ... اين سينما الخيام و روكسي ... واين فندق تايكر يلاس وسمير اميس. ... واين ... واين ؟
ان التجربة الحياتية الانسانية للبغداديين تجربة طويلة ، متنوعة الالوان ومن العسير على اي انسان ان يبلغ حقيقتها او شطراً منها ، او يبلغ جمالها او شطرا منها ، عن طريق سعيه الوحيد ، ولابد ان تصالب الجهود ، وتتآزر الهمم في سبيل الكشف شيئاً بعد شيء ، وبحركة متطورة متقدمة دوماً عن معاني حيثيات شارع الرشيد ودهاليزه النيرة !
ربما التشبيه الذي اوردته ( دهاليز نيرة ) لا يستسيغه البعض ، لكني اقول ان علاقة البغدادي بشارع الرشيد ، تكاد تشبه العلاقة بين فتيل الشمعة والشمعة ذاتها ، بل انها تقترب من تطابق العلاقة التي تجمع او تفرق بين اليأس والأمل ، بين الخوف من السقوط او التلهف الى الصعود .. الخاخوتي ... اخواتي في امانة بغداد ... ارجوكم .. اتوسل اليكم :
ان جرحي بمنظر هذا الشارع ومجسراته ومقترباته ، يؤلمني جدا ، وانا اعرف ان جرحي هو جرحكم ، لأنني واثق من وجود العشرات من موظفيكم عاشوا مجد شارع الرشيد ..
اعيدوا الى هذا الشارع ألقه .. حرام ان يتحول الى شارع لباعة الخضرة والاجبان والاسماك ودهون السيارات ومكائن الديزل ... مع ايماني بأن بمقدوركم توفير أماكن بديلة لهم ..مئوية بائسة لملك الشوارع !
مقالات اخرى للكاتب