سؤال_ لو أفترضنا جدلا وهذا شبه محسوم أمره في مجتمعات يشكل الدين ثوبها الأخلاقي وليس روحيتها، أننا تمكنا عبر أليات أو منهج أو رؤية أن نركن الدين في زاوية تحت درجة التجمد، السؤال هنا كيف لنا أن نصنع قيما أخلاقية قادرة على إقناع إنسان كان وما زال يظن أن الله هو شرطي المرور المخيف في حياته؟
أنا _ الحقيقة أنا لا أدعو أبدا إلى تجميد الدين تحت درجة الصفر العقلي ولكن محور رؤيتي يكون عبر سلسلة من التدابير العقلانية التي تبدأ أولا من إقناع الناس أن الدين الرسمي المتواجد حولنا بكافة أشكاله ومفردات هو ليس دين الله الحقيقي والذي شرع لمصلحة الوجود وكرامة الإنسان، هذه الفكرة لا تتم إلا من خلال أليتين عمليتين، الأولى تمثل تقديم البديل المعقول والحقيقي وبدون قال وقيل، وثانيا أن نجسد قبل أن نطرح البديل تلك الأخلاقيات التي نزمع إفشائها في الواقع، طرح الإشكالية بدون بديل نقدي وحقيقي معقول وعقلاني وأيضا بدون ممارسة عملية على الواقع لا يقنع الإنسان، عندما قال الرسول محمد ص (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) طبق تلك المكارم وعمل على نقض الأخلاقيات المزيفة وبسط ما يكمل الجيد منها، هذا المنهج يمثل أساس الدعوة الأخلاقية.
النقطة الأخرى أستعمال المحفزات الطبيعية لأقناع المجتمع بالرؤية المستجدة عن الدين، فليس أصعب على الإنسان من منعه عن عقيدة توارثها سلفا عن سلفة ولي فرضها بالقانون أو بالقوة، عليك أن تطرح بديلك وتتركه حرا في ضمير المجتمع مع الدفاع الحاسم عن حق الإنسان في الأختيار وحق الأفكار في نزاعها وصراعها للبقاء لاسيما وأن الفكر لا بد أن يواجه بالفكر.
النقطة الثالثة والأهم أن منهج الإقصاء الذي يعتمد قوة القانون أو شروط الفرض الملجئ يولد ردات فعل أعنف منها وبالتالي مهما كانت الأفكار الأخلاقية التي تطرح ذات بعد عقلي وإنساني سيكون ثمنها غاليا بالحتم وقد لا تنجح في المعالجة الفورية والمتوسطة المدى وقد يكون لوجودها باب للغلو والتطرف وهنا لا يتناسب الثمن المدفوع مع المنجز الأخلاقي وتفشل عملية إعادة الوعي كي تنتج حلا حاسما لقضية أراد المشروع الفكري لها أن تكون بديلا عن توحش التدين الرسمي وصولا لروح التسامح والأخلاص والأنقاذ في المشروع الديني الأصلي.
سؤال _ ألا تعتقد أن هذا الطرح وبهذا النموذج العملي طويل النفس يأخذ وقتا قد لا نجده ما يكافئه الآن مع حاجة لحلول حاسمة تنقذنا من صراع مدمر؟
أنا _ من ينظر للدين وللزمن وللروحانية المترسبة بواقعية عقلية لا يمكن أن يحسب هذه الأفكار بحاجة إلى وقت أسرع، ليس من السهل على الإنسان أن يكون متقلبا بين الأفكار ويثبت بما يختار عليها من خلال العرض فقط، أولا الإنسان كائن معرفي حتى الإنسان البسيط لديه حس معرفي قوي قد لا يتزعزع بسهولة ويتساوى فيه البسيط والمركب، فالرجل القروي مثلا يحتاج للكثير من الأمثلة والأدلة والممارسات والعروض كي يفهم فكرة ما، يشاركه أيضا كبار رجال المعرفة وخاصة الذين يتزعمون أجنحة في المعرفة الدينية ويحرصون كل الحرص على تحصينها من النقد، وقد يكون النموذج الثاني هو الأصعب في عمليات التحول، العلامة محمد حسين فضل الله بمكانته العلمية وغيره من كبار رجال الدين قد تم تكفيرهم ونبذهم وطردهم من قبل البعض حتى من الإيمان بالدين لمجرد أنه أراد البدء بمرحلة أصلاح حقيقي، من فعل ذلك لم يكن من عامة الناس ولا من أواسطهم بل من عتاة مدرسة الكهنوت الأستحماري الذي يرفض أي مس بثوابته هو وليس بثوابت الدين كما يزعم.
سؤال _ هل من الممكن أن نشهد ثورة أخلاقية وفكرية في الجانب الروحي من حياتنا على الأقل في المجتمع الإسلامي؟
أنا _ سؤال متأخر جدا نحن نعيش عصر التمرد وإرهاصات هذه الثورة الناعمة الأنيقة، ولديه ملاحظة مهمة قد لا يتبناها البعض منا، ما يسمى بظاهرة الإلحاد المتفشية منذ سنوات طويلة هي ظاهرة صحية تماما ومن المؤكد أن سبب تحولها من ظاهرة رفض إلى ظاهرة تحدي هو إصرار البعض من رجال الدين على تجاهلها أو عدم إيلائها الأهتمام المناسب، ومن المؤكد أن رواد هذه الظاهرة ربما سيكونون أول من يتبنى الرؤية الأخلاقية التجديدية في الدين لأن عمقهم الروحي وذاتيتهم البعيدة دينية لا يمكن أن تعيش خارج مدارات الفكر الأخلاقي الديني.
سؤال _ إذا أنت ممن يؤمن بأن ظاهرة الإلحاد المعلن ظاهرة غير حقيقية وتمثل إنعكاس لفشل الدين في الإجابة على إشكاليات الواقع ومشاكل العقل مع الفهم المتخبط والعبثي الذي يطرحه الدين؟
أنا _ للتصحيح فقط الفشل ليس فشل الدين قطعا ولكنه فشل القائمين على تقديم الدين للناس، المؤسسة الدينية غير قادرة بوضعيتها الكهنوتية السلفية والأثرية الآن أن تجيب بشكل ناجح على تلك الإشكاليات، وأجد أنه ليس من العيب أن أقول أنا الديني أن الدين لم يطرح مثلا حلا لهذه الإشكالية الحياتية في الموضوع الفلاني وعلى الإنسان أن يمارس عقله كي ينجح في ذلك، هذا الرأي قمة الواقعية طالما لا نملك ولا نستطيع أن نقدم أجابة حاسمة وصريحة لتلك الأسئلة، العيب أن نقحم أنفسنا بإجابات مشوشة وفاشلة وغير مستوفيه ونقدمها على أنها خطة الله ورأي الدين، هنا نعتدي على الله وعلى العقل ونضحك على أنفسنا في مسرحية ساخرة وفاشلة.
سؤال _ طيب إذا كان الدين في رأيك من الممكن أن يقول أنه غير جاهز أو لا يملك أجابات محددة في قضية ما ألا يتنقض هذا مع قول النص الديني أن هذا القرآن لم يترك صغيرة ولا كبيره إلا أعطى فيها رأي؟
أنا _ هناك فرق بين عدم إمكانية الدين أن يقدم حل وبين عدم توفر رؤية آنية أو عجز وقتي في تقديم الأجابة، الدين ليس رجلا ونسأله في كل وقت ويجيب، الدين عقل والعقل محتاج لمقدمات ومعطيات وفهم مركب وإدراك واع لما يسأل عنه، لو كان الرسول موجودا ويقول أنه لا يمكنه الأجابة القطعية أو أنه ليس بإمكانه أن يفعل ذلك ويجزم به لقلنا أن هناك تناقض، أتذكر معكم حادثة مرت في حياة النبي حين أمر مزارعي النخيل في المدينة بتركه ليتلقح طبيعيا وفشل موسم اتمر، قال إنما أنا بشر اكلكم بما يوحى لي في شأن كلي من عقيدة وفكر عام أما هذه الخصوصيات الصغيرة كان عليكم أتباع العقل فيها، هذه الحادثة تثبت أن الدين إنما يتعامل مع كليات عقلية ومسائلة العام الغالب فيها مبدأ الشمول العام، حتى في بعض المسائل الشخصية التي يتناولها إنما يتناول الجانب العام والمطلق، الدين لا يتدخل في الخصوصيات الفردية ولا يبحث عن مسائل وقتية إنما يطرح أليت للعقل المركب والفهم الطبيعي أن يعالجها من خلال وجوده أي وجود العقل، الدين ليس بديلا عن العقل ولا بديلا عن المعرفة البشرية ولا هو علم ينافس علم أخر، الدين مدرسة للعقل كي يكون واعيا وجاهزا وقادرا على أجتراح الحلول وتقديم الإجابات فقط.
مقالات اخرى للكاتب