سؤال _ الدين ليس بديلا عن العقل هل يمكن أن يكون العقل بديلا عن الدين؟
أنا _ نعم من الممكن جدا أن يكون العقل بديلا عن الدين في اللحظة التي يؤمن فيها العقل أن الميزان الذي يحكمه دوما وأبدا ومطلقا أن يضع كل موضوع في محله المعتاد دون تقديم ولا تأخير وأن يعمل على ذلك واقعا، عندها سيتطابق العقل مع الدين في الأس الموضوعي الأساسي لوجودهما معا.
سؤال _ هل من الممكن أن نفهم أكثر بهذا الجانب؟
أنا _ الدين يبنى أساسا على قضيتين مهمتين تتفرع عنهما ومنهما كل قضايا وأهتمامات وأفكار الدين، وهما قضية الحق والخير فكل أحكام الخير ومواردها وأهدافها المطلوبة والنتائج التي يسعى لها تدور على تثبيت معنى الحق حتى أن النص الديني يسمي رب الدين بالحق، والحق تعريفه بسهوله أن تضع الأشياء في أمكنتها الحقيقية وفي زمانها ومكانها الحقيقي دون أفراط أو تفريط، هذا الحق بهذه الكيفية سينتج الخير ومنه سيدرك الإنسان معنى أن يكون مؤمنا بالحق، إذا نجح الإنسان من خلال العقل الواعي والحر والموضوعي أن يحقق هذه المعادلة فقد أصبح هو دين كامل لأنه يعمل على تنفيذ نفس الخطة التي يسعى لها الرب ويبعث من أجلها الرسالات الدينية، الحق والخير هما جوهر الدين وفكرته وما عدا ذلك كلها آليات تنفيذية وتدبيرية لتحقيق هذا الجوهر الفكري.
سؤال _ هل يمكن أختزال الدين كله بكلمتين فقط؟
أنا _ نعم هذا هو الدين بروحه وجوهره إنما الحق من عند الله والخير من عند الله، وما أوتيتم من العلم قليلا، فمن شاء فليؤمن بالحق ومن شاء فليكفر به، وهذا هو الخير أن يدعك على طريقين لا ثالث لهما وأنت حر أن تسير بما يرضاه لك عقلك، أليست هذه أفكار وردت في نصوص الدين، قد تسألني عن العبادات والطقوس والواجبات والأحكام، أقول من لا يؤمن بالحق أولا كل هذه الأمور تسقط أبتدأ ومن يؤمن بها ستكون كل هذه الأشياء مفردات لتدعيم إيمانه والمحافظة على نموذج أمثل وراق للإيمان بالحق والخير.
سؤال_ هل يمكن مثلا الإيمان بالخير بأعتباره فهم أخلاقي ومفردة معرفية دون الإيمان بالحق؟
أنا _ لا يمكن أن يأت الخير من خلال ميزان غير مستوي وغير أخلاقي، قد نسمي بعض المفاهيم على أنها خير ولكن هذه التسمية ستتعرض للنقد والتزييف لأنها لا تستند إلى معيارية الحق التي شرحناها، قد يكون منفعة أو مصلحة أو حاجة تتحقق ولكن لن تكون خيرا مطلقا بعد ذلك، الجواب لا خير بدون الحق ولا حق بدون الخير، إنها المتلازمة الوحيدة التي لا يمكن تجزئتها أو تفكيكها لتعمل كل منها على حدة.
سؤال _ ما هي إشكالية الدين الرئيسية مع الواقع تحديدا دون أن نطلق أحكام عامة؟
أنا _ المشكلة الأساس التي أطاحت بفاعلية الدين أن يكون محركا دائما وديناميكي حقيقي تتجلى بقضيتين الأولى مرتبطة بالثانية والثانية تتفرع منها كل الإشكاليات التبعية، القضية الأولى ما أسميه بـــ (الكذب المقدس)، وهو ما يسميه النص الديني بالأفتراء على الله، مثلا في قضية وصف الجنة والنار، النصوص الموثقة التي بين أيدينا والتي وردت عن النبي مثلا، أن في الجنة نعيم مما لا رأيت العين ولا سمعت الأذن، هذا الوصف قاطع بعدم إمكانية لا المشاهدة ولا السمع لا سابقا ولا لاحقا وأيضا نفي أن يكون حتى عن الرسول أحتمال بوجود وصف ما.
الغريب أن الكهنوت الديني عندما يتناول وصف الجنة بغير ما مذكور في الآيات القرآنية مثلا يستغرق بالغيال فيبسط لنا صور مما رأى هو في خياله وسمع كما يدع عن غيره ويرسم صورة غاية بالتفصيل المجسم وكأنه عاش هناك أو شاهدها عيانيا، لو كان هذا الكهنوت مؤمنا حقيقيا بالله وصادقا بإيمانه لأنتهى عند قول الرسول وما جاءت به الصور الوصفية في آيات القرآن وأكتفى، هذا الكذب على الله وعلى رسوله واحدة من إشكاليات الدين وهنا أضرب مثلا بسيطا على قضية كبرى، كل الذين كتبوا بالمعرفة الدينية وخاصة الدعويين منهم يكذبون ويفترون على الله مما جعل صورة الدين حرجة أمام العقل الإنساني، فهو غير قادر على رفضها لأنها مقدسة لديه ولا يستطيع تصديقها وهي محترمة لديه.
في القضية الثانية والمرتبطة بالكذب والأفتراء أن كل قراءة أعتمدت المسامحة والمساهلة في تقديم الفكرة أو التشدد والتضييق فيها إنما يعود لأمر الأفتراء والكذب، السلفيون النصوصيون الذين يقدمون النقل على العقل كما يظنون مثلا، يؤمنون أن الله أمر عباده الخلص أن ينتقموا من البشر الذين لا يؤمنون بالله أو بدينهم أو حتى برؤيتهم ، وأن الدين عندما يكون خاتم الأديان لا بد من إلجاء الناس على هذا الدين دون أن يتدخل الله فهو قد فوض أمره لهم وبالتالي الشرعية التي يحاربون بها الناس هي شرعية التفويض، الله هنا تخلى عن دينه لهم ولم يعد قادرا أن يفعل شيء فهو الولاة على الدين وهم من يحدد لله من سيرحمه ومن سيقذف به بنار جهنم، هذه القراءة لا تخرج من قلب مؤمن بحقيقة الله وقدرته وقوته وسلطانه، لأن فكرة خاطئة من جهة ومكذوبة على الله من جهة أخرى، لأن النص القرآني الحاسم الذي خاطب الله به نبيه (وما عليك من حسابهم من شيء) فإذا كان النبي المكلف بالرسالة والمؤتمن على التطبيق ما عليه من حساب الناس، بل فقط واجبه الإنذار والأعذار فكيف تسنى لهؤلاء ومنظريهم أنتزاع تفويض من الله الذي هو جزء من ذاته، ولا تنفصل عنه ولا يمكن أن نتصور الله بدون سلطان.
إذن الإشكالية بالأساس إشكالية الذات الإنسانية حين تتفرعن وتنتزع من العقل القراءة ومسئولية القراءة، العقل الإنساني لا يكذب لأنه محكوم بالبرهان لكن النفس البشرية والتي تتركز في قوة الأنا ودوافعها ومحفزاتها الذاتية هي التي تتزعم كل الإنحرافات وتخلق كل الفرص المشجعة والمؤيدة للتحريف ولتأنيس النص الدين أولا لها، تأنيس النص الديني يخرج الدين كله من مصدريته العاقلة إلى مصدريته الإنفعالية، لذا فالكثير من الكهنوت الديني وزعماء القراءات تجده لا ينهج منطق عقلي في تقديم الدين بتجرد، وسرعان ما تجده يقع في الأنحياز والأنتماء العنواني ليبرر ويفسر ويؤول ما يريد بناء على مقتضيات المصلحة وليس مقتضيات الواجب والتجرد.
مقالات اخرى للكاتب