قرات ذات مرة بان الادب العربي عموما والشعر خصوصا يفقد قيمته لفظا ومعنى اذا ما ترجم الى لغات اخرى !
وكعادتي استوقفتني هذه العبارة ولفتت نظري فسالت نفسي لماذا يا ترى ؟ ومن خلال بعض القراءات الادبية لي توصلت الى نتيجة ربما يختلف معي بها البعض وربما يؤيدها البعض وهي ان قيمة الادب العربي تكمن في ألفاظه لا في معانيه حيث من المعروف ان ألفاظنا العربية مؤثرة وعميقة وكثيرة لكنها على ما أظن لم توظف كما يجب فمن الطبيعي ان يفقد من قيمته الشيء الكثير اذا ما تبدلت تلك الالفاظ بترجمتها الى لغة اخرى لكن ماذا عن المعنى والفحوى ؟ فما شاننا نحن بان يمدح المتنبي سيف الدولة كما يراه هو كشاعر ينشد الربح اي يبيع كلامه وما شاننا بان يمدح ابي تمام نفسه بقصيدة لو قراها احدنا لظن بان من كتبها هو عالم في الطب او الفلسفة او ربما رجل فضاء وانه صاحب فضل على العالمين !!! لو قرانا للفيلسوف الروسي تولستوي نجد ان كتاباته تبقى محتفظة بمعانيها الانسانية العميقة ولا تفقدها حتى اذا ما ترجمت للغات اخرى لان التركيز فيها كان على القيم الانسانية وليس الفخر او الهجاء او الرثاء او المدح او الغزل والوصف فهذه هي ابرز اغراض الشعر والادب لدينا وهي في اغلبها تكون تجارب فرديه لقائليها الذين كانوا في اغلب الاحيان يعظمون من شانهم وشان ممدوحيهم او حبيباتهم على نحو مبالغ فيه فمن يقرأ شعر المتنبي مثلا ومدى تعظيمه لنفسه وغروره بها لا يتصور ان والده كان يبيع الماء في الكوفة وهي مهنة كان العرب يحتقرونها سابقا ويستصغرون من يمتهنها لكن المتنبي تغاضى عن والده ومهنته في كل اشعاره فلم يشر الى ذلك الاب من قريب او بعيد بل امعن في مدح الولاة والملوك طالبا المال والولاية ومن تمنع عنهما او عن احدهما انهال عليه بهجاء وذم قادح مزقه فيه اربا وحقيقة كانت مهنة والده هذه نقطة ضعف لديه امام خصومه الذين كانوا يثيرونها عند تصغيرهم للمتنبي وكان ذلك جليا في ابيات قيلت في هذا : اي فضل لشاعر يطلب الفضل من الناس بكرة وعشيا ...عاش حينا في الكوفة يبع الماء وحينا يبيع ماء المحيا اي يبيع ماء وجهه حين يمدح كبار القوم ووجهائه وهذه حقيقة لا اشك بها مطلقا كما اني لا اشك بعظمة شعر المتنبي وعشقي لأشعاره التي ابدع فيها لكن هناك ثمة فجوة بين ابياته وافعاله !!! وفي رواية عن جرير لا تخلوا من طرافة يقال ان رجل سال جرير ذات يوم : من هو اشعر الشعراء ؟ فقال له جرير تعال معي فأخبرك فجاء معه الى ابيه واذا بالأب قد اخذ عنزة ويشرب من ضرعها اللبن فصاح جرير هلا خرجت يا ابتي ... فخرج شيخ دميم رث الهيئة وقد سال لبن العنز على لحيته فقال الا ترى هذا قال نعم قال جرير افلا تعرفه قال لا ... قال هذا ابي اتعرف لماذا كان يشرب اللبن من ضرع العنز ؟ مخافة ان يسمع صوت الحلب فيطلب منه لبن ثم قال جرير اشعر الناس من فاخر بمثل هذا الاب ثمانين شاعرا فقارعهم وغلبهم جميعا !!!والان ما رايكم بهذا هل كان ادبنا العربي هو الاخر كذبة كذبناها نحن العرب وصدقناها ام هو غير ذلك برايكم ؟ وهل نحن ابطال في قصائدنا فقط وواقعنا يقول غير ذلك ؟؟؟؟ اعتقد بان الامر كذلك ....
مقالات اخرى للكاتب